احتج الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم السلام بهذه الآية فقالوا هذه الآية تدل على صدور الذنب العظيم عنهم من وجوه.
الأول : أن الآية دلت على أنه عليه السلام قرب من أن يفتري على الله، والفرية على الله من أعظم الذنوب.
والثاني : أنها تدل على أنه لولا أن الله تعالى ثبته وعصمه لقرب من أن يركن إلى دينهم ويميل إلى مذهبهم.
والثالث : أنه لولا سبق جرم وجناية وإلا فلا حاجة إلى ذكر هذا الوعيد الشديد والجواب عن الأول : أن كاد معناه المقاربة فكان معنى الآية أنه قرب وقوعه في الفتنة، وهذا القدر لا يدل على الوقوع في تلك الفتنة فإنا إذا قلنا كاد الأمير أن يضرب فلاناً لا يفهم منه أنه ضربه، والجواب عن الثاني : أن كلمة لولا تفيد انتفاء الشيء لثبوت غيره، تقول لولا علي لهلك عمر، معناه أن وجود علي منع من حصول الهلاك لعمر، فكذلك ههنا قوله :﴿وَلَوْلاَ أَن ثبتناك لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ﴾ معناه أنه حصل تثبيت الله تعالى لمحمد ﷺ فكان حصول ذلك التثبيت مانعاً من حصول ذلك الركون، والجواب عن الثالث : أن ذلك التهديد على المعصية لا يدل على الإقدام عليها والدليل عليه آيات منها قوله :﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل * لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين﴾ [ الحاقة : ٤٤ ٤٦ ] ومنها قوله :﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [ الزمر : ٦٥ ] ومنها قوله :﴿وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين﴾ [ الأحزاب : ٤٨ ]، والله أعلم.
المسألة الرابعة :


الصفحة التالية
Icon