المسألة الثانية :
لا شك أنه ليس المراد من قوله تعالى :﴿وَمَن كَانَ فِى هذه أعمى فَهُوَ فِى الآخرة أعمى﴾ عمى البصر بل المراد منه عمى القلب، أما قوله فهو في الآخرة أعمى ففيه قولان : القول الأول : أن المراد منه أيضاً عمى القلب وعلى هذا التقدير ففيه وجوه.
الأول : قال عكرمة : جاء نفر من أهل اليمن إلى ابن عباس فسأله رجل عن هذه الآية فقال : اقرأ ما قبلها فقرأ ﴿رَبَّكُمُ الذى يُزْجِى لَكُمُ الفلك فِى البحر﴾ [ الإسراء : ٦٦ ] إلى قوله ﴿تَفْضِيلاً﴾ [ الإسراء : ٧٠ ] قال ابن عباس من كان أعمى في هذه النعم التي قد رأى وعاين فهو في أمر الآخرة التي لم ير ولم يعاين أعمى وأضل سبيلا وعلى هذا الوجه فقوله في هذه إشارة إلى النعم المذكورة في الآيات المتقدمة.
وثانياً : روى أبو ورق عن الضحاك عن ابن عباس قال من كان في الدنيا أعمى عما يرى من قدرتي في خلق السموات والأرض والبحار والجبال والناس والدواب فهو عن أمر الآخرة أعمى وأضل سبيلاً وأبعد عن تحصيل العلم به وعلى هذا الوجه فقوله فمن كان في هذه إشارة إلى الدنيا وعلى هذين القولين فالمراد من كان في الدنيا أعمى القلب عن معرفة هذه النعم والدلائل فبأن يكون في الآخرة أعمى القلب عن معرفة أحوال الآخرة أولى فالعمى في المرتين حصل في الدنيا.
وثالثها : قال الحسن من كان في الدنيا ضالاً كافراً فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً لأنه في الدنيا تقبل توبته وفي الآخرة لا تقبل توبته وفي الدنيا يهتدي إلى التخلص من أبواب الآفات وفي الآخرة لا يهتدي إلى ذلك ألبتة.
ورابعها : أنه لا يمكن حمل العمى الثاني على الجهل بالله لأن أهل الآخرة يعرفون الله بالضرورة فكان المراد منه العمى عن طريق الجنة أي ومن كان في هذه الدنيا أعمى عن معرفة الله فهو في الآخرة أعمى عن طريق الجنة.


الصفحة التالية
Icon