ولما قرر سبحانه قدرته على التفضيل في الحياة الحسية والمعنوية، والمفاضلة بين الأشياء في الشيئين فثبت بذلك قدرته على البعث، وختم ذلك بتفضيل البشر، وكان يوم الدين أعظم يوم يظهر في التفضيل، أبدل من قوله ﴿يوم يدعوكم﴾ مرهباً من سطواته في ذلك اليوم، ومرغباً في اقتناء الفضائل في هذا اليوم قوله تعالى :﴿يوم ندعوا﴾ أي بتلك العظمة ﴿كل أناس﴾ أي منكم ﴿بإمامهم﴾ أي بمتبوعهم الذي كانوا يتبعونه، فيقال : يا أتباع نوح! يا أتباع إبراهيم! يا أتباع عيسى! يا أتباع محمد! فيقومون فيميز بين محقيهم ومبطليهم، ويقال : يا أتباع الهوى! يا أتباع النار! يا أتباع الشمس! يا أتباع الأصنام! ونحو هذا، أو يكون المراد بسبب أعمالهم التي ربطناهم بها ربط المأموم بإمامه كما قال تعالى ﴿وكل إنسان الزمناه طائره في عنقه﴾ وسماها إماماً لكونهم أموها واجتهدوا في قصدها، وندفع إليهم الكتب التي أحصت حفظتنا فيها تلك الأعمال ﴿فمن أوتي﴾ منهم من مؤتٍ ما ﴿كتبه بيمينه﴾ فهم البصراء القلوب لتقواهم وإحسانهم، وهم البصراء في الدنيا، ومن كان في هذه الدنيا بصيراً فهو في الآخرة أبصر وأهدى سبيلاً ﴿فأولئك﴾ أي العالو المراتب ﴿يقرءون كتابهم﴾ أي يجددون قراءته ويكررونها سروراً بما فيه كما هو دأب كل من سر بكتاب ﴿ولا يظلمون﴾ بنقص حسنة ما من ظالم ما ﴿فتيلاً﴾ أي شيئاً هو في غاية القلة والحقاره، بل يزادون بحسب إخلاص النيات وطهارة الأخلاق وزكاء الأعمال، ومن أوتي كتابه بشماله فهو لا يقرأ كتابه لأنه أعمى في هذه الدار ﴿ومن كان﴾ منهم ﴿في هذه﴾ الدار ﴿أعمى﴾ أي ضالاً يفعل في الأعمال فعل الأعمى في أخذ الأعيان، لا يهتدي إلى أخذ ما ينفعه وترك ما يضره، ولا يميز بين حسن وقبح ﴿فهو في الآخرة﴾ لأن كل أحد يقوم على ما مات عليه ﴿أعمى﴾ أي أشد عمى مما كان عليه في هذه الدار، لا ينجح له قصد، ولا يهتدي لصواب، ولا يقدر على قراءة كتاب، لما فيه من موجبات


الصفحة التالية
Icon