وأقول هذا أيضاً دليل قوي في أن التغليس أفضل من التنوير لأن الإنسان إذا شرع فيها من أول الصبح ففي ذلك الوقت الظلمة باقية فتكون ملائكة الليل حاضرين ثم إذا امتدت الصلاة بسبب ترتيل القراءة وتكثيرها زالت الظلمة وظهر الضوء وحضرت ملائكة النهار فبهذا الطريق تحضر في هذه الصلاة ملائكة الليل وملائكة النهار أما إذا ابتدأ بهذه الصلاة في وقت التنوير فهناك ما بقيت الظلمة فلم يبق في ذلك الوقت أحد من ملائكة الليل فلا يحصل المعنى المذكور فثبت أن قوله تعالى :﴿إِنَّهُ كَانَ مَشْهُودًا﴾ دليل قوي على أن التغليس أفضل وعندي في تفسير قوله تعالى :﴿إِنَّهُ كَانَ مَشْهُودًا﴾ احتمال آخر وذلك لأنه كلما كانت الحوادث الحادثة أعظم وأكمل كان الاستدلال بها على كمال قدرة الله تعالى أكمل فالإنسان إذا شرع في أداء صلاة الصبح من أول هذا الوقت كانت الظلمة القوية باقية في العالم، فإذا امتدت القراءة في أثناء هذا الوقت ينقلب العالم من الظلمة إلى الضوء والظلمة مناسبة للموت والعدم، والضوء مناسب للحياة والوجود.
وعلى هذا التقدير فالإنسان لما قام من منامه فكأنه انتقل من الموت إلى الحياة ومن العدم إلى الوجود ثم إنه مع ذلك يشاهد في أثناء صلاته انقلاب كلية هذا العالم من الظلمة إلى الضوء ومن الموت إلى الحياة ومن السكون إلى الحركة ومن العدم إلى الوجود.