وفيه وجه ثالث : وهو ما روي أن الحجاج بن عمرو المازني قال : أيحسب أحدكم إذا قام من الليل فصلى حتى يصبح أنه قد تهجد إنما التهجد الصلاة بعد الرقاد ثم صلاة أخرى بعد رقدة ثم صلاة أخرى بعد رقدة هكذا كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذا عرفت هذا فنقول كلما صلى الإنسان طلب هجوداً ورقاداً فلا يبعد أنه سمي تهجداً لهذا السبب.
البحث الثالث : قوله :﴿مِنْ﴾ في قوله :﴿وَمِنَ الليل﴾ لا بد له من متعلق والفاء في قوله :﴿فَتَهَجَّدْ﴾ لا بد له من معطوف عليه والتقدير قم من الليل أي في بعض الليل فتهجد به وقوله :﴿بِهِ﴾ أي بالقرآن والمراد منه الصلاة المشتملة على القرآن.
البحث الرابع : معنى النافلة في اللغة ما كان زيادة على الأصل ذكرناه في قوله تعالى :﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال﴾ [ الأنفال : ١ ] ومعناها أيضاً في هذه الآية الزيادة وفي تفسير كونها زيادة قولان مبنيان على أن صلاة الليل هل كانت واجبة على النبي ﷺ أم لا فمن الناس من قال إنها كانت واجبة عليه ثم نسخت فصارت نافلة، أي تطوعاً وزيادة على الفرائض، وذكر مجاهد والسدي في تفسير كونها ( نافلة ) وجهاً حسناً قالا إنه تعالى غفر للنبي ﷺ ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكل طاعة يأتي بها سوى المكتوبة فإنه لا يكون تأثيرها في كفارة الذنوب ألبتة بل يكون تأثيرها في زيادة الدرجات وكثرة الثواب وكان المقصود من تلك العبادة زيادة الثواب فلهذا سميت نافلة بخلاف الأمة، فإن لهم ذنوباً محتاجة إلى الكفارات فهذه الطاعة محتاجون إليها لتكفير الذنوب والسيئات فثبت أن هذه الطاعات إنما تكون زوائد ونوافل في حق النبي ﷺ لا في حق غيره فلهذا السبب قال :﴿نَافِلَةً لَّكَ﴾ يعني أنها زوائد ونوافل في حقك لا في حق غيرك وتقريره ما ذكرناه.