فصل


قال الفخر :
﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (٨٢) ﴾
اعلم أنه تعالى لما أطنب في شرح الإلهيات والنبوات والحشر والمعاد والبعث وإثبات القضاء والقدر ثم أتبعه بالأمر بالصلاة ونبه على ما فيها من الأسرار، وإنما ذكر كل ذلك في القرآن أتبعه ببيان كون القرآن شفاء ورحمة فقال :﴿وَنُنَزّلُ مِنَ القرءان مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ﴾ ولفظة ﴿من﴾ ها هنا ليست للتبعيض بل هي للجنس كقوله :﴿فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان﴾ [ الحج : ٣٠ ] والمعنى وننزل من هذا الجنس الذي هو قرآن ما هو شفاء.
فجميع القرآن شفاء للمؤمنين، واعلم أن القرآن شفاء من الأمراض الروحانية، وشفاء أيضاً من الأمراض الجسمانية، أما كونه شفاء من الأمراض الروحانية فظاهر، وذلك لأن الأمراض الروحانية نوعان : الاعتقادات الباطلة والأخلاق المذمومة، أما الاعتقادات الباطلة فأشدها فساداً الاعتقادات الفاسدة في الإلهيات والنبوات والمعاد والقضاء والقدر والقرآن كتاب مشتمل على دلائل المذهب الحق في هذه المطالب، وإبطال المذاهب الباطلة فيها، ولما كان أقوى الأمراض الروحانية هو الخطأ في هذه المطالب والقرآن مشتمل على الدلائل الكاشفة عما في هذه المذاهب الباطلة من العيوب الباطنة لا جرم كان القرآن شفاء من هذا النوع من المرض الروحاني.
وأما الأخلاق المذمومة فالقرآن مشتمل على تفصيلها وتعريف ما فيها من المفاسد والإرشاد إلى الأخلاق الفاضلة الكاملة والأعمال المحمودة فكان القرآن شفاء من هذا النوع من المرض فثبت أن القرآن شفاء من جميع الأمراض الروحانية، وأما كونه شفاء من الأمراض الجسمانية فلأن التبرك بقراءته يدفع كثيراً من الأمراض.


الصفحة التالية
Icon