وبعضهما يفيد تعليم كيفية اكتساب العلوم العالية، والأخلاق الفاضلة التي بها يصل الإنسان إلى جوار رب العالمين، والاختلاط بزمرة الملائكة المقربين وهو الرحمة، ولما كان إزالة المرض مقدمة على السعي في تكميل موجبات الصحة لا جرم بدأ الله تعالى في هذه الآية بذكر الشفاء ثم أتبعه بذكر الرحمة، واعلم أنه تعالى لما بين كون القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين بين كونه سبباً للخسار والضلال في حق الظالمين والمراد به المشركون وإنما كان كذلك لأن سماع القرآن يزيدهم غيظاً وغضباً وحقداً وحسداً وهذه الأخلاق الذميمة تدعوهم إلى الأعمال الباطلة وتزيد في تقوية تلك الأخلاق الفاسدة في جواهر نفوسهم ثم لا يزال الخلق الخبيث النفساني يحمل على الأعمال الفاسدة والإتيان بتلك الأعمال يقوي تلك الأخلاق فبهذا الطريق يصير القرآن سبباً لتزايد هؤلاء المشركين الضالين في درجات الخزي والضلال والفساد والنكال ثم إنه تعالى ذكر السبب الأصلي في وقوع هؤلا الجاهلين الضالين في أودية الضلال ومقامات الخزي والنكال وهو حب الدنيا والرغبة في المال والجاه واعتقادهم أن ذلك إنما يحصل بسبب جدهم واجتهادهم فقال :﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾ وفيه مباحث :
الأول : قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن الإنسان ها هنا هو الوليد بن المغيرة وهذا بعيد، بل المراد أن نوع الإنسان من شأنه أنه إذا فاز بمقصوده ووصل إلى مطلوبه اغتر وصار غافلاً عن عبودية الله تعالى متمرداً عن طاعة الله كما قال :﴿إِنَّ الإنسان ليطغى أَن رَّءاهُ استغنى﴾ [ العلق : ٦، ٧ ].
البحث الثاني : قوله ﴿أعرض﴾ أي ولى ظهره أي عرضه إلى ناحية ونأى بجانبه أي تباعد، ومعنى النأي في اللغة البعد والإعراض عن الشيء أن يوليه عرض وجهه والنأي بالجانب أن يلوي عنه عطفه ويوليه ظهره وأراد الاستكبار لأن ذلك عادة المتكبرين وفي قوله ﴿نأى﴾ قراءات.