وأما عدم الجواب عن حقيقة الروح فهذا يبعد جعله دليلاً على صحة النبوة.
وثالثها : أن مسألة الروح يعرفها أصاغر الفلاسفة وأراذل المتكلمين فلو قال الرسول ﷺ إني لا أعرفها لأورث ذلك ما يوجب التحقير والتنفير فإن الجهل بمثل هذه المسألة يفيد تحقير أي إنسان كان فكيف الرسول الذي هو أعلم العلماء وأفضل الفضلاء.
ورابعها : أنه تعالى قال في حقه :﴿الرحمن * عَلَّمَ القرءان﴾ [ الرحمن : ١، ٢ ] ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيماً﴾ [ النساء : ١١٣ ] وقال :﴿وَقُل رَّبّ زِدْنِى عِلْماً﴾ [ طه : ١١٤ ] وقال في صفة القرآن :﴿وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كتاب مُّبِينٍ ﴾
[ الأنعام : ٥٩ ]، وكان عليه السلام يقول :" أرنا الأشياء كما هي " فمن كان هذا حاله وصفته كيف يليق به أن يقول أنا لا أعرف هذه المسألة مع أنها من المسائل المشهورة المذكورة بين جمهور الخلق بل المختار عندنا أنهم سألوه عن الروح وأنه ﷺ أجاب عنه على أحسن الوجوه وتقريره أن المذكور في الآية أنهم سألوه عن الروح والسؤال عن الروح يقع على وجوه كثيرة.
أحدها : أن يقال ماهية الروح أهو متحيز أو حال في المتحيز أو موجود غير متحيز ولا حال في التحيز.
وثانيها ؛ أن يقال الروح قديمة أو حادثة.
وثالثها : أن يقال الأرواح هل تبقى بعد موت الأجسام أو تفنى.
ورابعها : أن يقال ما حقيقة سعادة الأرواح وشقاوتها وبالجملة فالمباحث المتعلقة بالروح كثيرة، وقوله :﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح﴾ ليس فيه ما يدل على أنهم عن هذه المسائل سألوا أو عن غيرها إلا أنه تعالى ذكر له في الجواب عن هذا السؤال قوله :﴿قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى﴾ وهذا الجواب لا يليق إلا بمسألتين من المسائل التي ذكرناها إحداهما السؤال عن ماهية الروح والثانية عن قدمها وحدوثها.


الصفحة التالية
Icon