قال القاضي أبو محمد : ومعنى أقوالهم إنما هو طلب شهادة دون أن يذكروها، ففي ذلك نزلت الآية، أي الله يشهد بيني وبينكم الذي له الخبر والبصر لجميعنا صادقنا وكاذبنا، ثم رد الأمر إلى خلق الله تعالى واختراعه الهدى والضلال في قلوب البشر، أي ليس بيدي من أمركم أكثر من التبليغ، وفي قوله ﴿ فلن تجد لهم أولياء من دونه ﴾ وعيد، ثم أخبر عز وجل أنهم يحشرون على الوجوه ﴿ عمياً وبكماً وصماً ﴾، وهذا قد اختلف فيه، فقيل هي استعارات إما لأنهم من الحيرة والهم والذهول يشبهون أصحاب هذه الصفات، وإما من حيث لا يرون ما يسرهم ولا يسمعونه ولا ينصفونه بحجة، وقيل هي حقيقة كلها، وذلك عند قيامهم من قبورهم، ثم يرد الله إليهم أبصارهم وسمعهم ونطقهم، فعند رد ذلك إليهم يرون النار ويسمعون زفيرها ويتكلمون بكل ما حكي عنهم في ذلك، ويقال للمنصرف عن أمر خائفاً مهموماً : انصرف على وجهه، ويقال للبعير المتفه كأنما يمشي على وجهه، ومن قال ذلك في الآية حقيقة، قال : أقدرهم الله على النقلة على الوجوه، كما أقدر في الدنيا على النقلة على الأقدام، وفي هذا المعنى حديث قيل يا رسول الله : كيف يمشي الكافر على وجهه؟ قال :" أليس الذي أمشاه في الدنيا على رجلين قادراً أن يمشيه في الآخرة على وجهه " ؟. قال قتادة : بلى وعزة ربنا، وقوله ﴿ كلما خبت ﴾ أي كلما فرغت من إحراقهم فسكن اللهيب القائم عليهم قدر ما يعادون، ثم تثور، فتلك " زيادة السعير " قاله ابن عباس، فالزيادة في حيزهم، وأما جهنم فعلى حالها من الشدة لا يصيبها فتور، وخبت النار معناه سكن اللهيب والجمر على حاله، وخمدت معناه سكن الجمر وضعف، وهمدت معناه طفيت جملة، ومن هذه اللفظة قول الشاعر :[ الهزج ]
أمن زينب ذي النار قبيل الصبح ما تخبو... إذا ما خبت يلقى عليها المندل الرطب
ومنه قول عدي بن زيد :[ الخفيف ]
وسطة كاليراع أو سرج المج... دل طوراً تخبو وطوراً تثير