والجواب : أن الآيات السابقة تدل على أنهم في النار يبصرون ويسمعون ويصيحون، أما قوله تعالى :﴿مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾ فظاهر، وأما قوله :﴿كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾ ففيه مباحث :
البحث الأول : قال الواحدي الخبو سكون النار، يقال : خبت النار تخبوا إذا سكن لهبها ومعنى خبت سكنت وطفئت يقال في مصدره الخبو وأخبأها المخبىء إخباء أي أخمدها ثم قال :﴿زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾ قال ابن قتيبة زدناهم سعيراً أي تلهباً.
البحث الثاني : لقائل أن يقول إنه تعالى لا يخفف عنهم العذاب وقوله :﴿كُلَّمَا خَبَتْ﴾ يدل على أن العذاب يخف في ذلك الوقت قلنا كلما خبت يقتضي سكون لهب النار، أما لا يدل هذا على أنه يخف العذاب في ذلك الوقت. (١)
البحث الثالث : قوله :﴿كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾ ظاهره يقتضي وجوب أن تكون الحالة الثانية أزيد من الحالة الأولى وإذا كان كذلك كانت الحالة الأولى بالنسبة إلى الحالة الثانية تخفيفاً.
والجواب : الزيادة حصلت في الحالة الأولى أخف من حصولها في الحالة الثانية فكان العذاب شديداً ويحتمل أن يقال لما عظم العذاب صار التفاوت الحاصل في أوقاته غير مشعور به نعوذ بالله منه ولما ذكر تعالى أنواع هذا الوعيد قال ﴿ذَلِكَ جَزَاؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ﴾ والباء في قوله :﴿بأنهم كفروا﴾ باء السببية وهو حجة لمن يقول العمل علة الجزاء، والله أعلم.

(١) مقتضى الكلام أن يقال : لكن لا يدل هذا على أن يخفف العذاب إلخ.


الصفحة التالية
Icon