فالَّلهب يسكن، والجمر يعمل، فإن سكن الَّلهب، ولم يُطفَأ الجمر، قيل : خَمَدت تَخْمُدُ خُمُوداً، فإن طُفئت ولم يبق منها شيء، قيل : هَمَدت تَهْمُد هُمُوداً.
ومعنى ﴿ زدناهم سعيراً ﴾ : ناراً تتسعر، أي : تتلهَّب.
وما بعد هذا قد سبق تفسيره [ الاسراء : ٤٩ ] إِلى قوله :﴿ قادر على أن يخلق مثلهم ﴾ أي : على أن يخلقهم مرة ثانية، وأراد ب "مثلهم" إِياهم، وذلك أن مِثْل الشيءِ مساوٍ له، فجاز أن يعبّر به عن نفس الشيء، يقال : مِثْلُك لا يفعل هذا، أي : أنت، ومثله قوله :﴿ فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به ﴾ [ البقرة : ١٣٧ ]، وقد تم الكلام عند قوله :﴿ مِثلَهم ﴾، ثم قال :﴿ وجعل لهم أجلاً لا ريب فيه ﴾ يعني : أجل البعث ﴿ فأبى الظالمون إِلا كُفوراً ﴾ أي : جحوداً بذلك الأجل.
قوله تعالى :﴿ قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي ﴾ قال الزجاج : المعنى : لو تملكون أنتم، قال المتلمِّس :
وَلَوْ غيرُ أَخْوَالِي أَرَادُوا نَقِيصَتِي...
نَصبْتُ لهم فَوْقَ العرانينِ مِيسَما
المعنى : لو أراد غير أخوالي.
وفي هذه الخزائن قولان.
أحدهما : خزائن الأرزاق.
والثاني : خزائن النِّعم، فيخرج في الرحمة قولان.
أحدهما : الرِّزق.
والثاني : النِّعمة.
وتحرير الكلام : لو ملكتم ما يملكه الله عز وجل لأمسكتم عن الإنفاق خشية الفاقة.
﴿ وكان الإِنسان ﴾ يعني : الكافر ﴿ قتوراً ﴾ أي : بخيلاً مُمْسِكاً ؛ يقال : قَتَر يَقْتُرُ، وقَتَر يَقْتِرُ : إِذا قصَّر في الإِنفاق.
وقال الماوردي : لو ملك أحد من المخلوقين من خزائن الله تعالى، لما جاد كجود الله تعالى، لأمرين.
أحدهما : أنه لا بد أن يُمسِك منه لنفقته ومنفعته.
والثاني : أنه يخاف الفقر، والله تعالى منزَّه في جُوده عن الحالين.
ثم إِن الله تعالى ذكر إِنكار فرعون آيات موسى، تشبيهاً بحال هؤلاء المشركين، فقال :﴿ ولقد آتينا موسى تسع آيات ﴾ وفيها قولان.


الصفحة التالية
Icon