وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَمَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد ﴾
أي لو هداهم الله لاهتدوا.
﴿ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ ﴾ أي لا يهديهم أحد.
﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أن ذلك عبارة عن الإسراع بهم إلى جهنم ؛ من قول العرب : قدم القوم على وجوههم إذا أسرعوا.
الثاني : أنهم يسحبون يوم القيامة على وجوههم إلى جهنم كما يفعل في الدنيا بمن يبالغ في هوانه وتعذيبه.
وهذا هو الصحيح ؛ لحديث أنس " أن رجلاً قال : يا رسول الله، الذين يحشرون على وجوههم، أيحشر الكافر على وجهه؟ قال رسول الله ﷺ : أليس الذي أمشاه على الرجلين قادراً على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة " قال قتادة حين بلغه : بَلَى وعِزّة ربّنا.
أخرجه البخاريّ ومسلم.
وحسبك.
﴿ عميا وبكماً وصماً ﴾ قال ابن عباس والحسن : أي عُمْيٌ عمّا يسرّهم، بُكْمٌ عن التكلم بحجة، صُمٌّ عما ينفعهم ؛ وعلى هذا القول حواسهم باقية على ما كانت عليه.
وقيل : إنهم يحشرون على الصفة التي وصفهم الله بها ؛ ليكون ذلك زيادة في عذابهم، ثم يخلق ذلك لهم في النار، فأبصروا ؛ لقوله تعالى :﴿ وَرَأَى المجرمون النار فظنوا أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا ﴾ [ الكهف : ٥٣ ] وتكلموا ؛ لقوله تعالى :﴿ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً ﴾ [ الفرقان : ١٣ ] وسمعوا ؛ لقوله تعالى :﴿ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ﴾ [ الفرقان : ١٢ ].
وقال مقاتل بن سليمان : إذا قيل لهم :﴿ اخسئوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ ﴾ [ المؤمنون : ١٠٨ ] صاروا عمياً لا يبصرون صُمًّا لا يسمعون بُكماً لا يفقهون.
وقيل : عموا حين دخلوا النار لشدّة سوادها، وانقطع كلامهم حين قيل لهم : اخسؤوا فيها ولا تكلمون.
وذهب الزفير والشهيق بسمعهم فلم يسمعوا شيئاً.
﴿ مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ أي مستقرّهم ومقامهم.