وقال النظام : إنه خلق الله تعالى الجوهر حالاً فحالاً فإن الجواهر عنده لا بقاء لها بل هي متجددة بتجدد الاعراض فإذا لم يوالى عز مجده على الجوهر خلقه فني، وأنت تعلم أن أكثر هذه الأقاويل من قبيل الأباطيل سيما القول بأن الفناء أمر محقق في الخارج ضد للبقاء قائم بنفسه أو بالجوهر وكون البقاء موجوداً لا في محل، ولعل وجه البطلان غني عن البيان.
واحتجوا لهذا المذهب بقوله سبحانه :﴿ كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ﴾ [ القصص : ٨٨ ] وقوله تعالى :﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾ [ الرحمن : ٢٦ ] وأجابوا عن الآية بأن الكفار اكتفوا بأقل اللازم وأرادوا المبالغة في الإنكار لأنه إذا لم يمكن بزعمهم الحشر بعد كونهم عظاماً ورفاتاً فعدم إمكانه بعد فنائهم بالمرة أظهر وأظهر، وفيه أن هلاك كل شيء خروجه عن صفاته المطلوبة منه والتفرق كذلك فيقال له هلاك ويسمى أيضاً فناء عرفاً فالاحتجاج بالآيتين غير تام وإن ما قالوه في الجواب عن الآية خلاف الظاهر.
ولا يرد عليهم أن إعادة المعدوم محال لما ذكره الفلاسفة من الأدلة لما ذكره المسلمون في إبطالها.
ومن الناس من قال : إن عجب الذنب لا يفنى وإن فنى ما عداه من أجزاء البدن لحديث الصحيحين " ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب منه خلق الخلق يوم القيامة ".
وفي رواية مسلم " كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق ومنه يركب " وصحح المزني أنه يفنى أيضاً وتأول الحديث بأن المراد منه أن كل الإنسان يبلى بالتراب ويكون سبب فنائه إلا عجب الذنب فإن الله تعالى يفنيه بلا تراب كما يميت ملك الموت بلا ملك موت، والخلق منه والتركيب يمكن أي يكون بعد إعادته فليس ما ذكر نصاً في بقائه، ووافقه على ذلك ابن قتيبة، وأنت تعلم أن ظواهر الأخبار تدل على عدم فنائه مطلقاً، وتوقف بعض العلماء عن الجزم بأحد المذهبين السابقين في كيفية الحشر.