وتعقب بأنه ليس بشيء لفظاً ومعنى، وعلى ما ذكرنا يتخرج قولهم للبخيل ممسك ﴿ خَشْيَةَ الإنفاق ﴾ أي مخافة الفقر كما أخرجه ابن جرير.
وابن المنذر عن ابن عباس وروي نحو عن قتادة وإليه ذهب الراغب قال : يقال أنفق فلان إذا افتقر، وأبو عبيدة قال : أنفق وأملق وأعدم وأصرم بمعنى واحد، وقال بعضهم : الإنفاق بمعناه المعروف وهو صرف المال، وفي الكلام مقدر أي خشية عاقبة الإنفاق.
وجوز أن يكون مجازاً عن لازمه وهو النفاد، ونصب ﴿ خَشْيَةَ ﴾ على أنه مفعول له، وجعله مصدراً في موضع الحال كما جوزه أبو البقاء خلاف الظاهر، وقد بلغت هذه الآية من الوصف بالشح الغاية القصوى التي لا يبلغها الوهم حيث أفادت أنهم لو ملكوا خزائن رحمة الله تعالى التي لا تتناهى وانفردوا بملكها من غير مزاحم أمسكوها من غير مقتض إلا خشية الفقر، وإن شئت فوازن بقول الشاعر :
ولو أن دارك أنبتت لك أرضها...
ابرا يضيق بها فناء المنزل
وأتاك يوسف يستعيرك إبرة...
ليخيط قد قميصه لم تفعل
مع أن فيه من المبالغات ما يزيد على العشرة ترى التفاوت الذي لا يحصر، وجعل غير واحد الخطاب فيها عاماً فيقتضي أن يكون كل واحد من الناس بخيلاً كما هو ظاهر ما بعد مع أنه قد أثبت لبعضهم الإيثار مع الحاجة.
وأجيب بأن ذلك بالنسبة إلى الجواد الحقيقي والفياض المطلق عز مجده فإن الإنسان إما ممسك أو منفق والإنفاق لا يكون إلا لغرض للعاقل كعوض مالي أو معنوي كثناء جميل أو خدمة واستمتاع كما في النفقة على الأهل أو نحو ذلك وما كان لعوض كان مبادلة لا مباذلة أو هو بالنظر إلى الأغلب وتنزيل غيره منزلة العدم كما قيل :
عدنا في زماننا...
عن حديث المكارم
من كفى الناس شره...
فهو في جود حاتم