وثانيهما :} إنكارهم البعث بقولهم :﴿ أإذا كنا عظاما ورفاتاً أئنا لمبعوثون خلقا جديداً ﴾ المناسب له أن يُعاقبوا عقاباً يناسب ما أنكروه من تجدد الحياة بعد المصير رفاتاً، فإن رفات الإحراق أشد اضمحلالاً من رفات العظام في التراب.
والاستفهام في حكاية قولهم :﴿ أإذا كنا عظاماً ﴾ وقوله :﴿ أئنا لمبعوثون ﴾ إنكاري.
وتقدم اختلاف القراء في إثبات الهمزتين في قوله :﴿ أإذا ﴾ وفي إثباتها في قوله :﴿ أإذا لمبعوثون ﴾ في نظير هذه الآية من هذه السورة.
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ﴾
جملة ﴿ أو لم يروا ﴾ عطف على جملة ﴿ ذلك جزاؤهم ﴾ [ الإسراء : ٩٨ ] باعتبار ما تضمنته الجملة المعطوفُ عليها من الردع عن قولهم :﴿ أإذا كنا عظاما ورفاتاً ﴾ [ الإسراء : ٩٨ ].
فبعدَ زجرهم عن إنكارهم البعث بأسلوب التهديد عطف عليه إبطال اعتقادهم بطريق الاستدلال بقياس التمثيل في الإمكان، وهو كاف في إقناعهم هنا لأنهم إنما أنكروا البعث باعتقاد استحالته كما أفصح عنه حكاية كلامهم بالاستفهام الإنكاري.
وإحالتهم ذلك مستندة إلى أنهم صاروا عظاماً ورفاتاً، أي بتعذر إعادة خلق أمثال تلك الأجزاء، ولم يستدلوا بدليل آخر، فكان تمثيل خلق أجسام من أجزاء بالية بخلق أشياء أعظم منها من عدم أوْغَل في الفناء دليلاً يقطع دعواهم.
والاستفهام في أو لم يروا } إنكاري مشوب بتعجيب من انتفاء علمهم، لأنهم لما جرت عقائدهم على استبعاد البعث كانوا بحال من لم تظهر له دلائل قدرة الله تعالى، فيؤول الكلام إلى إثبات أنهم علموا ذلك في نفس الأمر.
والرؤية مستعملة في الاعتقاد لأنها عديت إلى كون الله قادراً، وذلك ليس من المبصرات.
والمعنى : أو لم يعلموا أن الله قادر على أن يخلق مثلهم.