وكأنه موه على جنوده لما أراهم آية اليد بهذه الشبهة، وهذا كما قالت قريش ﴿إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً﴾ وقالوا في موضع آخر : ساحر، فإنهم ربما أطلقوا اسم المفعول مريدين اسم الفاعل مبالغة في أنه كالمجبر على الفعل، وفي الأمر بسؤال اليهود تنبيه على ضلالهم، قال الشيخ ولي الدين الملوي : ولعل منه اقتباس الأئمة في المناظرة مطالبة اليهود والنصارى ونحوهم بإثبات نبوة أنبيائهم، فكل طريق يسلكون يسلك مثله في تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكل اعتراض يوردونه يورد عليهم مثله، وما كان جواباً لهم فهو جواب لنا، ومن تفطن للآية الكريمة رأى منها العجب في ذلك - انتهى ولم يؤمن فرعون على تواتر تلك الآيات وعظمها، فكأنه قيل : فما قال موسى عليه السلام؟ فقيل :﴿قال﴾ لفرعون :﴿لقد علمت﴾ أي أنا بضم التاء على قراءة الكسائي ليفيد أن عنده العلم القطعي بأن ما أتى به منزل من ربه، فهو أعقل أهل ذلك الزمان وليس على ما ادعاه فرعون، أو بفتح التاء - على قراءة الباقين أي أنك يا فرعون صرت بما أظهرته أنا من الأدلة في عداد من يعلم أنه ﴿ما أنزل﴾ على يدي ﴿هؤلاء﴾ الآيات ﴿إلا رب السماوات والأرض﴾ أي خالقهما ومدبرهما حال كون هذه الآيات ﴿بصائر﴾ أي بينات ثابتاً أمرها علياً قدرها، يبصر بها صدقي، وأما السحر فإنه لا يخفى على أحد أنه خيال لا حقيقة له ﴿وإني﴾ أي وإن ظننتني يا فرعون مسحوراً ﴿لأظنك﴾ أكد لما كان مع فرعون من ينكر قوله ويظهر القطع بسعادة فرعون ﴿يا فرعون مثبوراً﴾ أي ملعوناً مطروداً مغلوباً مهلكاً ممنوعاً من الخير فاسد العقل، وظني قريب إلى الصحة بخلاف ظنك لعنادك لرب العالمين، لوضوح مكابرتك للبصائر التي كشف عنها وبها الغطاء، فهي أوضح من الشمس، وذلك لإخلادك إلى الحال التي أنت بها وكسلك عن الانتقال عنها إلى ما هو أشرف منها، وقد بينت مدار " ثبر " في ﴿لا تثريب﴾ في سورة يوسف عليه السلام، فإذا


الصفحة التالية
Icon