وهذا سؤال استفهام ليعرف اليهود صحة ما يقول محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ فقال له فِرْعَون إنّي لأظنّك يا مُوسى مَسْحُوراً ﴾ أي ساحراً بغرائب أفعالك ؛ قاله الفراء وأبو عبيدة.
فوضع المفعول موضع الفاعل ؛ كما تقول : هذا مشؤوم وميمون، أي شائم ويامن.
وقيل مخدوعاً.
وقيل مغلوباً ؛ قاله مقاتل.
وقيل غير هذا ؛ وقد تقدّم.
وعن ابن عباس وأبي نهيك أنهما قرأا "فسأل بني إسرائيل" على الخبر ؛ أي سأل موسى فرعون أن يخلي بني إسرائيل ويطلق سبيلهم ويرسلهم معه.
قوله تعالى :﴿ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هؤلاء ﴾
يعني الآيات التسع.
و"أنزل" بمعنى أوجد.
﴿ إِلاَّ رَبُّ السماوات والأرض بَصَآئِرَ ﴾ أي دلالات يستدل بها على قدرته ووحدانيته.
وقراءة العامة "علمت" بفتح التاء، خطاباً لفرعون.
وقرأ الكسائي بضم التاء، وهي قراءة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ؛ وقال : والله ما علم عدوّ الله ولكن موسى هو الذي علم، فبلغت ابن عباس فقال : إنها "لقد علمت"، واحتج بقوله تعالى :﴿ وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ﴾.
ونسب فرعون إلى العناد.
وقال أبو عبيد : والمأخوذ به عندنا فتح التاء، وهو الأصح للمعنى الذي احتج به ابن عباس ؛ ولأن موسى لا يحتج بقوله : علمت أنا، وهو الرسول الداعي، ولو كان مع هذا كلّه تصح به القراءة عن عليّ لكانت حجة، ولكن لا تثبت عنه، إنما هي عن كلثوم المراديّ وهو مجهول لا يعرف، ولا نعلم أحداً قرأ بها غير الكسائي.
وقيل : إنما أضاف موسى إلى فرعون العلم بهذه المعجزات ؛ لأن فرعون قد علم مقدار ما يتهيأ للسحرة فعله، وأن مثل ما فعل موسى لا يتهيأ لساحر، وأنه لا يقدر على فعله إلا من يفعل الأجسام ويملك السموات والأرض.
وقال مجاهد : دخل موسى على فرعون في يوم شات وعليه قطيفة له، فألقى موسى عصاه فإذا هي ثعبان، فرأى فرعون جانبي البيت بين فُقْمَيْها، ففزع وأحدث في قطيفته.


الصفحة التالية
Icon