ولما كان هذا أمراً معجباً، عجب منهم تعجيباً آخر، عاطفاً له على ﴿ويسئلونك﴾ إن كان المراد بالناس في قوله ﴿فأبى أكثر الناس﴾ الكل، وعلى " فأبى " إن كان المراد بهم قريشاً فقال تعالى :﴿وقالوا﴾ أي كفار قريش ومن والاهم تعنتاً بعد ما لزمهم من الحجة ببيان عجزهم عن المعارضة ولغير ذلك فعل المبهوت المحجوج المعاند، مؤكدين لما لزمهم من الحجة التي صاروا بها في حيز من يؤمن قطعاً من غير توقف :﴿لن نؤمن﴾ أي نصدق بما تقول مذعنين ﴿لك حتى تفجر﴾ أي تفجيراً عظيماً ﴿لنا﴾ أي أجمعين ﴿من الأرض ينبوعاً﴾ أي عيناً لا ينضب ماءها ﴿أو تكون لك﴾ أي أنت وحدك ﴿جنة من نخيل و﴾ أشجار ﴿عنب﴾ عبر عنه بالثمرة لأن الانتفاع منه بغيرها قليل ﴿فتفجر﴾ أي بعظمة زائدة ﴿الأنهار﴾ الجارية ﴿خلالها تفجيراً﴾ وهو تشقيق عما يجري من ماء أو ضياء أو نحوهما ؛ فالفجر : شق الظلام من عمود الصبح، والفجور : شق جلباب الحياء بما يخرج إلى الفساد ﴿أو تسقط السماء﴾ أي نفسها ﴿كما زعمت﴾ فيما تتوعدنا به ﴿علينا كسفاً﴾ أي قطعاً جمع كسفه وهي القطعة، ويجوز أن يكون المراد بذلك الحاصب الآتي من جهة العلو وغيره مما توعدوا به في نحو قوله ﴿أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم﴾ [ الأنعام : ٦٥ ] وتسمية ذلك سماء كتسمية المطر بل والنبات سماء :
إذا نزل السماء بأرض قوم...
رعيناه وإن كانوا غضابا


الصفحة التالية
Icon