والقول الثاني : أن الأذقان كناية عن اللحى والإنسان إذا بالغ عند السجود في الخضوع والخشوع ربما مسح لحيته على التراب فإن اللحية يبالغ في تنظيفها فإذا عفرها الإنسان بالتراب فقد أتى بغاية التعظيم.
والقول الثالث : أن الإنسان إذا استولى عليه خوف الله تعالى فربما سقط على الأرض في معرض السجود كالمغشي عليه ومتى كان الأمر كذلك كان خروره على الذقن في موضع السجود فقوله :﴿يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ﴾ كناية عن غاية ولهه وخوفه وخشيته ثم بقي في الآية سؤالان.
السؤال الأول : لم قال :﴿يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا﴾ ولم يقل يسجدون ؟ والجواب المقصود من ذكر هذا اللفظ مسارعتهم إلى ذلك حتى أنهم يسقطون.
السؤال الثاني : لم قال :﴿يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ﴾ ولم يقل على الأذقان والجواب العرب تقول إذا خر الرجل فوقع على وجهه خر للذقن، والله أعلم.
ثم قال تعالى :﴿وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولاً﴾ والمعنى أنهم يقولون في سجودهم :﴿سُبْحَانَ رَبّنَا﴾ أي ينزهونه ويعظمونه :﴿إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولاً﴾ أي بإنزال القرآن وبعث محمد وهذا يدل على أن هؤلاء كانوا من أهل الكتاب لأن الوعد ببعثة محمد سبق في كتابهم فهم كانوا ينتظرون إنجاز ذلك الوعد ثم قال :﴿وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ﴾ والفائدة في هذا التكرير اختلاف الحالين وهما خرورهم للسجود وفي حال كونهم باكين عند استماع القرآن ويدل عليه قوله :﴿وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ ويجوز أن يكون تكرار القول دلالة على تكرار الفعل منهم وقوله :﴿يَبْكُونَ﴾ معناه الحال :﴿وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ أي تواضعاً واعلم أن المقصود من هذه الآية تقرير تحقيرهم والازدراء بشأنهم وعدم الاكتراث بهم وبإيمانهم وامتناعهم منه وأنهم وإن لم يؤمنوا به فقد آمن به من هو خير منهم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢١ صـ ٥٦ ـ ٥٨﴾


الصفحة التالية
Icon