فما المحمود عليه في الآية؟
الحق سبحانه يقول:﴿ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً.. ﴾[الإسراء: ١١١]
فكَوْنه سبحانه لم يتخذ ولداً نعمة كبيرة على العباد يجب أنْ يحمدوه عليها، فإنْ كان له ولد فسوف يخصُّه برعايته دون باقي الخَلْق، فقد تنزّه سبحانه عن الولد، وجعل الخَلْق جميعهم عياله، وكلُّهم عنده سواء، فليس من بينهم مَنْ هو ابن لله أو مَنْ بينه وبين الله قرابة، وأحبّهم إليه تعالى أتقاهم له، وهكذا ينفرد الخَلْق بكل حنان ربهم وبكل رحمته.
ثم، ما الحكمة من اتخاذ الولد؟ الناس يتخذون الولد ويحرصون على الذَّكَر، خاصة لأمرين: أن يكون الولد ذكرى وامتداداً لأبيه بعد موته، كما قال الشاعر: أَبُنيّ يَا أنَا بَعْدَمَا أقْضِي والحق سبحانه وتعالى باقٍ دائمٌ، فلا يحتاج لمَنْ يُخلِّد ذكراه، أو يكون امتداداً له، تعالى الله عن ذلك عُلواً كبيراً، فالحمد لله أنه لم يتخذ ولداً.
أو يكون الولد للعِزْوة والمكاثرة والتقوّى به من ضعف، والحق سبحانه وتعالى هو الغالب القهار، فلا يحتاج إلى عِزْوة أو كثرة، لذلك يأمرنا سبحانه أن نُمجِّده لأنه لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، والمتأمل في حال الملوك والسلاطين يجد أكثر فسادهم إما من الولد وإما من الصاحبة.
ثم يقول سبحانه: ﴿ وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ.. ﴾ [الإسراء: ١١١]
وهذا أيضاً من النعم التي تستوجب الحمد، ولك أنْ تتصوّر لو أن لله تعالى شريكاً في الملْك، كم تكون حَيْرة العباد، فأيُّهما تُطيع وأيهما تُرضِي؟
لقد أوضح لنا الحق سبحانه هذه المسألة في هذا المثل الذي ضربه لنا:﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً.. ﴾[الزمر: ٢٩]