وصدق الشاعر حين قال: حَسْبُ نَفْسِي عِزّاً بأنِّي عَبْدٌ يَحْتفِي بي بلاَ مَواعِيدَ رَبُّهُوَ في قُدْسِهِ الأعَزِّ وَلكِنْ أَنَا ألْقَي متَى وأَينَ أحِبُّفكم تتحمل من المشقة والعنت في مقابلة عظيم من عظماء الدنيا، أما في مقابلة رب العزة سبحانه، فبمجرد أنْ آمنتَ به أصبح الزمام في يدك تلقاه متى شئتَ، وفي أيِّ مكان أردتَ، وتُحدّثه في أيّ أمر أحببتَ، فأيُّ عِزَّة بعد هذا؟
ولذلك كانت حيثية الرفعة لرسول الله ﷺ في الإسراء والمعراج أنه عبد لله، حيث قال تعالى:﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى.. ﴾[الإسراء: ١]
فالعزة في العبودية لله، والعزة في السجود له تعالى، فعبوديتك لله تعصمك من العبودية لغيره، وسجودك له تعالى يعصمك من السجود لغيره، أَلاَ ترى قول الشاعر: وَالسُّجُودُ الذِي تَجْتَوِيه مِنْ أُلُوفِ السُّجودِ فِيهِ نَجَاةٌإذن: فكبِّر الله تكبيراً وعَظِّمه، والتجئ إليه، فَمن التجأ إلى الله تعالى كان في معيته، وأفاض عليه الحق من صفاته، وعصمه من كَيْد الآخرين وقهرهم. وسبق أنْ ضربنا مثلاً بالولد الصغير الذي يعتدي عليه أقرانه إنْ سار وحده، فإنْ كان في يد أبيه فلا يجرؤ أحد على الاعتداء عليه.
فعليك ـ إذن ـ أن تكون دائماً في معيّة ربك تأمن كيد الكائدين ومكْر الماكرين، ولا ينالك أحدٌ بسوء، فإن ابتلاه الله بشيء فكأنما يقول له: أبتليك بنعمتي لتأخذ من ذاتي، لأن الصحيح المعَافَى إنْ كان في معية نعمة الله، فالمبتلى في معية الله ذاته.
ألم يَقُلْ الحق سبحانه في الحديث القدسي: " يا بن آدم مرضْتُ فلم تَعُدْني، قال: يا رب وكيف أعودك وأنت ربُّ العالمين؟ فيقول: أما علمتَ أن عبدي فلاناً مرض فلم تَعُدْه، أما علمتَ أنك لو عُدْتَهُ لوجدتني عنده ".


الصفحة التالية
Icon