وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وبالحق أَنْزَلْنَاهُ وبالحق نَزَلَ ﴾
هذا متصل بما سبق من ذكر المعجزات والقرآن.
والكناية ترجع إلى القرآن.
ووجه التكرير في قوله "وبالحق نزل" يجوز أن يكون معنى الأول : أوجبنا إنزاله بالحق.
ومعنى الثاني : ونزل وفيه الحق ؛ كقوله خرج بثيابه، أي وعليه ثيابه.
وقيل الباء في "وبالحق" الأول بمعنى مع، أي مع الحق ؛ كقولك ركب الأمير بسيفه أي مع سيفه.
"وبالحق نزل" أي بمحمد ﷺ، أي نزل عليه ؛ كما تقول نزلت بزيد.
وقيل : يجوز أن يكون المعنى وبالحق قدرنا أن ينزل، وكذلك نزل.
قوله تعالى :﴿ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس على مُكْثٍ ﴾
مذهب سيبويه أن "قرآناً" منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر.
وقرأ جمهور الناس "فَرَقناه" بتخفيف الراء، ومعناه بيناه وأوضحناه، وفرقنا فيه بين الحق والباطل ؛ قاله الحسن.
وقال ابن عباس : فصلناه.
وقرأ ابن عباس وعليّ وابن مسعود وأبيّ بن كعب وقتادة وأبو رجاء والشعبيّ "فرّقناه" بالتشديد، أي أنزلناه شيئاً بعد شيء لا جملةً واحدة ؛ إلا أن في قراءة ابن مسعود وأُبَيّ "فرقناه عليك".
واختلف في كم نزل القرآن من المدّة ؛ فقيل : في خمس وعشرين سنة.
ابن عباس : في ثلاث وعشرين.
أنس : في عشرين.
وهذا بحسب الخلاف في سن رسول الله ﷺ، ولا خلاف أنه نزل إلى السماء الدنيا جملة واحدة.
وقد مضى هذا في "البقرة".
﴿ على مُكْثٍ ﴾ أي تطاوُل في المدّة شيئاً بعد شيء.
ويتناسق هذا القرآن على قراءة ابن مسعود، أي أنزلناه آية آية وسورةً سورة.
وأمّا على القول الأول فيكون "على مكث" أي على ترسّل في التلاوة وترتيل ؛ قاله مجاهد وابن عباس وابن جريج.
فيعطي القارىء القراءة حقّها من ترتيلها وتحسينها وتطييبها بالصوت الحسن ما أمكن من غير تلحين ولا تطريب مؤد إلى تغيير لفظ القرآن بزيادة أو نقصان فإن ذلك حرام على ما تقدم أوّل الكتاب.


الصفحة التالية
Icon