قال في هذا الخبر :" فناداهم رسول الله ﷺ : هو أي الروح جبريل.
وهذا خلاف ما روى غيره أن يهود قالت لقريش : سلوه عن الروح فإن أخبركم به فليس بنبئ وإن لم يخبركم به فهو نبي " ا هـ.
وأقول : قد يجمع بين الروايتين بأن النبي ﷺ بعد أن أجابهم عن أمر الروح بقوله تعالى :﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [الاسراء : ٨٥] بحسب ما عنوه بالروح عدل بهم إلى الجواب عن أمر كان أولى لهم العلم به وهو الروح الذي تكرر ذكره في القرآن مثل قوله :﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾ [الشعراء : ١٩٣] وقوله ﴿وَالرُّوحُ فيهَا﴾ [القدر : ٤] وهو من ألقاب جبريل على طريقة الأسلوب الحكيم مع ما فيه من الإغاظة لليهود، لأنهم أعداء جبريل كما أشار إليه قوله تعالى :﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ﴾ [البقرة : ٩٧] الآية.
ووضحه حديث عبد الله ابن سلام في قوله للنبي ﷺ حين ذكر جبريل عليه السلام ذاك عدو اليهود من الملائكة فلم يترك النبي ﷺ لهم منفذا قد يلقون منه التشكيك على قريش إلا سده عليهم.
وقد يعترضك هنا : أن الآية التي نزلت في أمر الروح هي من سورة الإسراء فلم تكن مقارنة للآية النازلة في شان الفنية وشأن الرجل الطواف فماذا فرق بين الآيتين، وأن سورة الإسراء يروي أنها نزلت قبل سورة الكهف فإنها معدودة سادسة وخمسين في عداد نزول السور، وسورة الكهف معدودة ثامنة وستين في النزول.
وقد يجاب عن هذا بأن آية الروح قد تكون نزلت على أن تلحق بسورة الإسراء فإنها نزلت في أسلوب سورة الإسراء وعلى مثل فواصلها، ولأن الجواب فيها جواب بتفويض العلم إلى الله، وهو مقام يقتضي الإيجاز، بخلاف الجواب عن أهل الكهف وعن ذي القرنين فإنه يستدعي بسطا وإطنابا ففرقت آية الروح عن القصتين.


الصفحة التالية
Icon