فصل
قال الفخر :
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (١) ﴾
في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
أما الكلام في حقائق قولنا :﴿الحمد للَّهِ﴾ فقد سبق، والذي أقوله ههنا أن التسبيح أينما جاء فإنما جاء مقدماً على التحميد، ألا ترى أنه يقال : سبحان الله والحمد لله إذا عرفت هذا فنقول : إنه جل جلاله ذكر التسبيح عندما أخبر أنه أسرى بمحمد ﷺ فقال :﴿سُبْحَانَ الذى أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً﴾ [ الإسراء : ١ ] وذكر التحميد عندما ذكر أنه أنزل الكتاب على محمد ﷺ فقال :﴿الحمد لِلَّهِ الذى أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب﴾ وفيه فوائد :
الفائدة الأولى : أن التسبيح أول الأمر لأنه عبارة عن تنزيه الله عما لا ينبغي وهو إشارة إلى كونه كاملاً في ذاته والتحميد عبارة عن كونه مكملاً لغيره، ولا شك أن أول الأمر هو كونه كاملاً في ذاته.
ونهاية الأمر كونه مكملاً لغيره.
فلا جرم وقع الابتداء في الذكر بقولنا ﴿سبحان الله﴾ ثم ذكر بعده ﴿الحمد لله﴾ تنبيهاً على أن مقام التسبيح مبدأ ومقام التحميد نهاية.
إذا عرفت هذا فنقول : ذكر عند الإسراء لفظ التسبيح وعند إنزال الكتاب لفظ التحميد.
وهذا تنبيه على أن الإسراء به أول درجات كماله وإنزال الكتاب غاية درجات كماله، والأمر في الحقيقة كذلك لأن الإسراء به إلى المعراج يقتضي حصول الكمال له، وإنزال الكتاب عليه يقتضي كونه مكملاً للأرواح البشرية وناقلاً لها من حضيض البهيمية إلى أعلى درجات الملكية، ولا شك أن هذا الثاني أكمل.
وهذا تنبيه على أن أعلى مقامات العباد مقاماً أن يصير ( العبد ) عالماً في ذاته معلماً لغيره ولهذا روي في الخبر أنه عليه الصلاة والسلام قال :" من تعلم وعلم فذاك يدعى عظيماً في السموات "