الصفة الثانية : للكتاب وهي قوله :﴿قَيِّماً﴾ قال ابن عباس يريد مستقيماً وهذا عندي مشكل لأنه لا معنى لنفي الإعوجاج إلا حصول الاستقامة فتفسير القيم بالمستقيم يوجب التكرار وأنه باطل، بل الحق ما ذكرناه وأن المراد من كونه :﴿قَيِّماً﴾ أنه سبب لهداية الخلق وأنه يجري مجرى من يكون قيماً للأطفال، فالأرواح البشرية كالأطفال، والقرآن كالقيم الشفيق القائم بمصالحهم.
البحث الثالث : قال الواحدي جميع أهل اللغة والتفسير قالوا هذا من التقديم والتأخير والتقدير : أنزل على عبده الكتاب قيماً ولم يجعل له عوجاً.
وأقول قد بينا ما يدل على فساد هذا الكلام لأنا بينا أن قوله :﴿وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا﴾ يدل على كونه كاملاً في ذاته، وقوله :﴿قَيِّماً﴾ يدل على كونه مكملاً لغيره وكونه كاملاً في ذاته متقدم بالطبع على كونه مكملاً لغيره فثبت بالبرهان العقلي أن الترتيب الصحيح هو الذي ذكره الله تعالى وهو قوله :﴿وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّماً﴾ فظهر أن ما ذكروه من التقديم والتأخير فاسد يمتنع العقل من الذهاب إليه.
البحث الرابع : اختلف النحويون في انتصاب قوله :﴿قَيِّماً﴾ وذكروا فيه وجوهاً.
الأول : قال صاحب "الكشاف" لا يجوز جعله حالاً من الكتاب لأن قوله :﴿وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا﴾ معطوف على قوله :﴿أَنَزلَ﴾ فهو داخل في حيز الصلة فجعله حالاً من ﴿الكتاب﴾ يوجب الفصل بين الحال وذي الحال ببعض الصلة، وأنه لا يجوز.
قال : ولما بطل هذا وجب أن ينتصب بمضمر والتقدير : ولم يجعل له عوجاً وجعله قيماً.
الوجه الثاني : قال الأصفهاني الذي نرى فيه أن يقال قوله :﴿وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا﴾ حال وقوله :﴿قَيِّماً﴾ حال أخرى وهما حالان متواليان والتقدير أنزل على عبده الكتاب غير مجعول له عوجاً قيماً.