ظاهر اللفظ يقتضي أنه تعالى إنما بعثهم ليحصل له هذا العلم وعند هذا يرجع إلى أنه تعالى هل يعلم الحوادث قبل وقوعها أم لا، فقال هشام : لا يعلمها إلا عند حدوثها واحتج بهذه الآية والكلام فيه قد سبق، ونظائر هذه الآية كثيرة في القرآن منها ما سبق في هذه السورة ومنها قوله في سورة البقرة :﴿إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرسول مِمَّن يَنقَلِبُ على عَقِبَيْهِ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ] وفي آل عمران ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جاهدوا مِنكُمْ﴾ [ آل عمران : ١٤٢ ] وقوله :﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ﴾ [ الكهف : ٧ ] وقوله :﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ﴾ [ محمد : ٣١ ].
المسألة الثالثة :
﴿أَيُّ﴾ رفع بالابتداء و ﴿أحصى﴾ خبره وهذه الجملة بمجموعها متعلق العلم فلهذا السبب لم يظهر عمل قوله :﴿لَنَعْلَمُ﴾ في لفظة ﴿أَيُّ﴾ بل بقيت على ارتفاعها ونظيره قوله : اذهب فاعلم أيهم قام قال تعالى :﴿سَلْهُمْ أَيُّهُم بذلك زَعِيمٌ﴾ [ القلم : ٤٠ ] وقوله :﴿ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرحمن عِتِيّاً﴾ [ مريم : ٦٩ ] وقرىء ليعلم على فعل ما لم يسم فاعله وفي هذه القراءة فائدتان.
إحداهما : أن على هذا التقدير لا يلزم إثبات العلم المتجدد لله بل المقصود أنا بعثناهم ليحصل هذا العلم لبعض الخلق.
والثانية : أن على هذا التقدير يجب ظهور النصب في لفظة أي، لكن لقائل أن يقول : الإشكال بعد باق لأن ارتفاع لفظة أي بالإبتداء لا بإسناد يعلم إليه.
ولمجيب أن يجيب فيقول : إنه لا يمتنع اجتماع عاملين على معمول واحد لأن العوامل النحوية علامات ومعرفات ولا يمتنع اجتماع المعرفات الكثيرة على الشيء الواحد، والله أعلم.
المسألة الرابعة :