لأبي بكر وعمر أنتما مني بمنزلة السمع والبصر فلما كان عمر بمنزلة البصر لمحمد ﷺ، لا جرم قدر على أن يرى من ذلك البعد العظيم.
الثاني : روي أن نيل مصر كان في الجاهلية يقف في كل سنة مرة واحدة (١) وكان لا يجري حتى يلقى فيه جارية واحدة حسناء، فلما جاء الإسلام كتب عمرو بن العاص بهذه الواقعة إلى عمر، فكتب عمر على خزفة : أيها النيل إن كنت تجري بأمر الله فاجر، وإن كنت تجري بأمرك فلا حاجة بنا إليك! فألقيت تلك الخزفة في النيل فجرى ولم يقف بعد ذلك.
الثالث : وقعت الزلزلة في المدينة فضرب عمر الدرة على الأرض وقال : اسكني بإذن الله فسكنت وما حدثت الزلزلة بالمدينة بعد ذلك.
الرابع : وقعت النار في بعض دور المدينة فكتب عمر على خزفة : يا نار اسكني بإذن الله فألقوها في النار فانطفأت في الحال.
الخامس : روى أن رسول ملك الروم جاء إلى عمر فطلب داره فظن أن داره مثل قصور الملوك فقالوا : ليس له ذلك، وإنما هو في الصحراء يضرب اللبن فلما ذهب إلى الصحراء رأى عمر رضي الله عنه وضع درته تحت رأسه ونام على التراب، فعجب الرسول من ذلك وقال : إن أهل الشرق والغرب يخافون من هذا الإنسان وهو على هذه الصفة! ثم قال في نفسه : إني وجدته خالياً فأقتله وأخلص الناس منه.
فلما رفع السيف أخرج الله من الأرض أسدين فقصداه فخاف وألقى السيف من يده وانتبه عمر ولم ير شيئاً فسأله عن الحال فذكر له الواقعة وأسلم.
وأقول هذه الوقائع رويت بالآحاد، وههنا ما هو معلوم بالتواتر وهو أنه مع بعده عن زينة الدنيا واحترازه عن التكلفات والتهويلات ساس الشرق والغرب وقلب الممالك والدول لو نظرت في كتب التواريخ علمت أنه لم يتفق لأحد من أول عهد آدم إلى الآن ما تيسر له فإنه مع غاية بعده عن التكلفات كيف قدر على تلك السياسات، ولا شك أن هذا من أعظم الكرامات.

(١) قوله مرة واحدة، لا مفهوم له، والمراد بيان أنه يمتنع عن الفيض ويكون ماؤه قليلا وهو إذا كان كذلك لا يجري بل يكون أشبه بالراكد.


الصفحة التالية
Icon