الأولى : قوله تعالى :﴿ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ ﴾ يحتمل ثلاثة معان :
أحدها : أن يكون هذا وصفَ مقامهم بين يدي الملك الكافر كما تقدّم، وهو مقام يحتاج إلى الربط على القلب حيث خالفوا دينه، ورفضوا في ذات الله هيبته.
والمعنى الثاني فيما قيل : إنهم أولاد عظماء تلك المدينة، فخرجوا واجتمعوا وراء تلك المدينة من غير ميعاد ؛ فقال أسنُّهم : إني أجد في نفسي أن ربي ربُّ السموات والأرض ؛ فقالوا ونحن كذلك نجد في أنفسنا.
فقاموا جميعاً فقالوا :"ربُّنا ربُّ السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذاً شَطَطاً".
أي لئن دعونا إلها غيره فقد قلنا إذا جوراً ومحالاً.
والمعنى الثالث : أن يعبّر بالقيام عن انبعاثهم بالعزم إلى الهروب إلى الله تعالى ومنابذة الناس ؛ كما تقول : قام فلان إلى أمر كذا إذا عزم عليه بغاية الجدّ.
الثانية : قال ابن عطية : تعلقت الصوفية في القيام والقول بقوله :"إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض".
قلت : وهذا تعلّق غير صحيح! هؤلاء قاموا فذكروا الله على هدايته، وشكروا لما أولاهم من نعمه ونعمته، ثم هاموا على وجوههم منقطعين إلى ربهم خائفين من قومهم ؛ وهذه سنة الله في الرسل والأنبياء والفضلاء الأولياء.
أين هذا من ضرب الأرض بالأقدام والرقص بالأكمام! وخاصة في هذه الأزمان عند سماع الأصوات الحسان من المرد والنسوان ؛ هيهات! بينهما والله ما بين الأرض والسماء.
ثم هذا حرام عند جماعة العلماء، على ما يأتي بيانه في سورة لقمان إن شاء الله تعالى.
وقد تقدّم في "سبحان" عند قوله :﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً ﴾ [ الإسراء : ٣٧ ] ما فيه كفاية.
وقال الإمام أبو بكر الطَّرسوسيّ وسئل عن مذهب الصوفية فقال : وأما الرقص والتواجد فأوّل من أحدثه أصحاب السامريّ ؛ لما اتخذ لهم عجلاً جسداً له خوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون ؛ فهو دين الكفار وعبّاد العجل، على ما يأتي.


الصفحة التالية
Icon