وقال أبو حيان :
ولما ذكر قوله ليعلم مشعراً باختلاف في أمرهم عقب بأنه تعالى هو الذي يقص شيئاً فشيئاً على رسوله ( ﷺ ) خبرهم ﴿ بالحق ﴾ أي على وجه الصدق، وجاء لفظ ﴿ نحن نقص ﴾ موازياً لقوله لنعلم.
ثم قال ﴿ آمنوا بربهم ﴾ ففيه إضافة الرب وهو السيد والناظر في مصلحة عبيده، ولم يأت التركيب ﴿ آمنوا ﴾ بناء للأشعار بتلك الرتبة وهي أنهم مربوبون له مملوكون.
ثم قال :﴿ وزدناهم هدى ﴾ ولم يأت التركيب وزادهم لما في لفظة ن من العظمة والجلال، وزيادته تعالى لهم ﴿ هدى ﴾ هو تيسيرهم للعمل الصالح والإنقطاع إليه ومباعدة الناس والزهد في الدنيا، وهذه زيادة في الإيمان الذي حصل لهم.
وفي التحرير ﴿ زدناهم ﴾ ثمرات ﴿ هدى ﴾ أو يقيناً قولان، وما حصلت به الزيادة امتثال المأمور وترك المنهي، أو إنطاق الكلب لهم بأنه هو على ما هم عليه من الإيمان، أو إنزال ملك عليهم بالتبشير والتثبيت وإخبارهم بظهور نبي من العرب يكون الدين به كله لله فآمنوا به قبل بعثه أقوال ملخصة من التحرير.
﴿ وربطنا على قلوبهم ﴾ ثبتناها وقوّيناها على الصبر على هجرة الوطن والنعيم والفرار بالدين إلى غار في مكان قفر لا أنيس به ولا ماء ولا طعام، ولما كان الفزع وخوف النفس يشبه بالتناسب الإنحلال حسن في شدة النفس وقوّة التصميم أن تشبه الربط، ومنه فلان رابط الجأش إذا كانت نفسه لا تتفرق عند الفزع والحرب.
وقال تعالى :﴿ إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها ﴾ والعامل في ﴿ أن ربطنا ﴾ أي ربطنا حين ﴿ قاموا ﴾، ويحتمل القيام أن يكون مقامهم بين يديّ الملك الكافر دقيانوس، فإنه مقام محتاج إلى الربط على القلب حيث صلبوا عليه وخلعوا دينه ورفضوا في ذات الله هيبته، ويحتمل أن يكون عبارة عن انبعاثهم بالعزم إلى الهروب إلى الله ومنابذة الناس كما يقال : قام فلان إلى كذا إذا اعتزم عليه بغاية الجد.
وقال الكرماني :﴿ قاموا ﴾ على أرجلهم.


الصفحة التالية
Icon