ولما كان المقام مقتضياً لأن يقال : ما كان تساؤلهم؟ أجيب بقوله تعالى :﴿قال قائل منهم﴾ مستفهماً من إخوانه :﴿كم لبثتم﴾ نائمين في هذا الكهف من ليلة أو يوم، وهذا يدل على أن هذا القائل استشعر طول لبثهم بما رأى من هيئتهم أو لغير ذلك من الأمارات ؛ ثم وصل به في ذلك الأسلوب أيضاً قوله تعالى :﴿قالوا لبثنا يوماً﴾ ودل على أن هذا الجواب مبني على الظن بقوله دالاً حيث أقرهم عليه سبحانه على جواز الاجتهاد والقول بالظن المخطىء، وأنه لا يسمى كذباً وإن كان مخالفاً للواقع ﴿أو بعض يوم﴾ كما تظنون أنتم عند قيامكم من القبور إن لبثتم إلا قليلاً، لأنه فرق بين صديق وزنديق في الجهل بما غيبه الله تعالى : فكأنه قيل : على أي شيء استقر أمرهم في ذلك؟ فأجيب بأنهم ردوا الأمر إلى الله بقوله :﴿قالوا﴾ أي قال بعضهم إنكاراً على أنفسهم ووافق الباقون بما عندهم من التحاب في الله والتوافق فيه في الحقيقة إخوان الصفا وخلان الألفة والوفا ﴿ربكم﴾ المحسن إليكم ﴿أعلم﴾ أي من كل أحد ﴿بما لبثتم فابعثوا﴾ أي فتسبب عن إسناد العلم إلى الله تعالى أن يقال : اتركوا الخوض في هذا واشتغلوا بما ينفعكم بأن تبعثوا ﴿أحدكم بورقكم﴾ أي فضتكم ﴿هذه﴾ التي جمعتموها لمثل هذا ﴿إلى المدينة﴾ التي خرجتم منها وهي طرطوس ليأتينا بطعان فإنا جياع ﴿فلينظر أيها﴾ أي أي أهلها ﴿أزكى﴾ أي أطهر وأطيب ﴿طعاماً فليأتكم﴾ ذلك الأحد ﴿برزق منه﴾ لنأكل ﴿وليتلطف﴾ في التخفي بأمره حتى لا يتفطنوا له ﴿ولا يشعرن﴾ أي هذا المبعوث منكم في هذا الأمر ﴿بكم أحداً﴾ أن فطنوا له فقبضوا عليه، وإن المعنى : لا يقولن ولا يفعلن ما يؤدي من غير قصد منه إلى الشعور بكم فيكون قد أشعر بما كان منه من السبب، وفي قصتهم دليل على أن حمل المسافر ما يصلحه من المنفعة رأى المتوكلين لا المتآكلين المتكلين على الإنفاقات على ما في أوعية القوم من النفقات، وفيها صحة الوكالة ؛ ومادة ( ورق ) بجميع تراكيبها


الصفحة التالية
Icon