ونظيره قوله تعالى :﴿وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتى هِىَ أَحْسَنُ﴾ [ العنكبوت : ٤٦ ] وأما النهي عن الاستفتاء فقوله :﴿وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مّنْهُمْ أَحَداً﴾، وذلك لأنه لما ثبت أنه ليس عندهم علم في هذا الباب وجب المنع من استفتائهم، واعلم أن نفاة القياس تمسكوا بهذه الآية قالوا لأن قوله :﴿رَجْماً بالغيب﴾ وضع الرجم فيه موضع الظن فكأنه قيل : ظناً بالغيب لأنهم أكثروا أن يقولوا : رجم بالظن مكان قولهم ظن، حتى لم يبق عندهم فرق بين العبارتين، ألا ترى إلى قوله :
وما هو عنها بالحديث المرجم.. (١)
أي المظنون هكذا قاله صاحب الكشاف، وذلك يدل على أن القول بالظن مذموم عند الله ثم إنه تعالى لما ذم هذه الطريقة رتب عليه من استفتاء هؤلاء الظانين، فدل ذلك على أن الفتوى بالمظنون غير جائز عند الله، وجواب مثبتي القياس عنه قد ذكرناه مراراً.
﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾
اعلم أن في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
قال المفسرون إن القوم لما سألوا النبي ﷺ عن المسائل الثلاثة، قال عليه السلام أجيبكم عنها غداً ولم يقل إن شاء الله، فاحتبس الوحي خمسة عشر يوماً وفي رواية أخرى أربعين يوماً، ثم نزلت هذه الآية، اعترض القاضي على هذا الكلام من وجهين.
الأول : أن رسول الله ﷺ كان عالماً بأنه إذا أخبر عن أنه سيفعل الفعل الفلاني غداً فربما جاءته الوفاة قبل الغد، وربما عاقه عائق آخر عن الإقدام على ذلك الفعل غداً، وإذا كان كل هذه الأمور محتملاً، فلو لم يقل إن شاء الله ربما خرج الكلام مخالفاً لما عليه الوجود وذلك يوجب التنفير عنه، وعن كلامه عليه السلام، أما إذا قال إن شاء الله كان محترزاً عن هذا المحذور، وإذا كان كذلك كان من البعيد أن يعد بشيء ولم يقل فيه إن شاء الله.

(١) البيت للنابغة الذبياني والرواية المشهورة :
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم وما القول عنها بالحديث المرجم


الصفحة التالية
Icon