الثالث : المراد أن الغداة هي الوقت الذي ينتقل الإنسان فيه من النوم إلى اليقظة وهذا الانتقال شبيه بالانتقال من الموت إلى الحياة والعشي هو الوقت الذي ينتقل الإنسان فيه من اليقظة إلى النوم ومن الحياة إلى الموت والإنسان العاقل يكون في هذين الوقتين كثير الذكر لله عظيم الشكر لآلاء الله ونعمائه، ثم قال :﴿وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ يقال عداه إذا جاوزه ومنه قولهم عدا طوره وجاء القوم عدا زيداً وإنما عدي بلفظة عن لأنها تفيد المباعدة فكأنه تعالى نهى عن تلك المباعدة وقرى :﴿وَلاَ تَعْدُ عَيْنَيْكَ﴾ ولا تعد عينيك من أعداه وعداه نقلاً بالهمزة وتثقيل الحشو ومنه قوله شعر :
فعد عما ترى إذ لا ارتجاع له.. والمقصود من الآية أنه تعالى نهى رسول الله ﷺ عن أن يزدري فقراء المؤمنين وأن تنبو عيناه عنهم لأجل رغبته في مجالسة الأغنياء وحسن صورتهم وقوله :﴿تُرِيدُ زِينَةَ الحياة الدنيا﴾ نصب في موضع الحال.
يعني أنك ( إن ) فعلت ذلك لم يكن إقدامك عليه إلا لرغبتك في زينة الحياة الدنيا، ولما بالغ في أمره بمجالسة الفقراء من المسلمين بالغ في النهي عن الالتفات إلى أقوال الأغنياء والمتكبرين فقال :﴿وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتبع هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه تعالى هو الذي يخلق الجهل والغفلة في قلوب الجهال لأن قوله :﴿أَغْفَلْنَا﴾ يدل على هذا المعنى، قالت المعتزلة : المراد بقوله تعالى :﴿أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا﴾ أنا وجدنا قلبه غافلاً وليس المراد خلق الغفلة فيه، والدليل عليه ما روي عن عمرو بن معديكرب الزبيدي أنه قال لبني سليم : قاتلناكم فما أجبناكم، وسألناكم فما أبخلناكم، وهجوناكم فما أفحمناكم، أي ما وجدناكم جبناء ولا بخلاء ولا مفحمين.


الصفحة التالية
Icon