ولما تغير قولهم حسن جداً قوله تعالى :﴿رجماً بالغيب﴾ أي رمياً بالأمر الغائب عنهم الذي لا اطلاع لهم عليه بوجه ﴿ويقولون﴾ أيضاً دليلاً على أنه لا علم لهم بذلك :﴿سبعة وثامنهم كلبهم﴾ وتأخير هذا عن الرجم - وإن كان ظناً - مشعر بأنه حق، ويؤيده هذه الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة كما تدخل الواو حالاً عن المعرفة في نحو ﴿إلا ولها كتاب معلوم﴾ [ الحجر : ٤ ] فإن فائدتها توكيد لصوق الصفة بالموصوف، والدلالة على أن اتصاف الموصوف بالصفة أمر ثابت مستقر، فدلت هذه الواو على أن أهل هذا القول قالوه عن ثبات علم وطمأنينة نفس، ولم يرجموا بالظن، وفي براءة، كلام نفيس عن اتباع الوصف تارة بواو وتارة مجرداً عنها.
فلما ظهر كالشمس أنه لا علم لهم بذلك كان كأنه قيل : ماذا يقال لهم؟ فقيل :﴿قل ربي﴾ أي المحسن إليّ بإعلامي بأمرهم وغيره ﴿أعلم بعدتهم﴾ أي التي لا زيادة فيها ولا نقص، فكان كأنه قيل : قد فهم من صيغة " أعلم " أم من الخلق من يعلم أمرهم فقيل :﴿ما يعلمهم إلا قليل﴾ أي من الخلق وهو مؤيد لأنهم أصحاب القول الغالب، وهو، قول ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ، وكان يقول : أنا من ذلك القليل.
﴿فلا﴾ أي فتسبب عن ذلك أن يقول لك على سبيل البت الداخل تحت النهي عن قفو ما ليس لك به علم : لا ﴿تمار﴾ أي تجادل وتراجع ﴿فيهم﴾ أحداً ممن يتكلم بغير ما أخبرتك به ﴿إلا مرآء ظاهراً﴾ أدلته، وهو ما أوحيت إليك به ولا تفعل فعلهم من الرجم بالغيب ﴿ولا تستفت﴾ أي تسأل سؤال مستفيد ﴿فيهم﴾ أي أهل الكهف ﴿منهم﴾ أي من الذين يدعون العلم من بني إسرائيل أو غيرهم ﴿أحداً ﴾.