ونحن نعرف العسل فميَّزه هنا بأنه مُصفّى، ومعروف أن العسل قديماً كانوا يأخذونه من الجبال، وكان يعلَقُ به الحصى والرمل ؛ لذلك مُيِّز عسل الجنة بأنه مُصفّى.
وكذلك في قوله سبحانه :﴿ سِدْرٍ مَّخْضُودٍ ﴾ [ الواقعة : ٢٨ ] ونعرف سدر الدنيا، وهو نوع من الشجر له شوك، وليس كذلك سِدْر الجنة ؛ لأنه سدر مخضود لا شوك فيه، ولا يُدْمِي يديك كسِدْر الدنيا.
وهنا ميَّز الله الجنة في الآخرة عن جنات الدنيا، فقال :﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ.. ﴾ [ الكهف : ٣١ ] أي : إقامة دائمة لا تنتهي ولا تزول، وليست كذلك جنات الدنيا، فهَبْ أن واحداً يتمتع في الدنيا بالدُّور والقصور في الحدائق والبساتين التي هي جنة الدنيا، فهل تدوم له؟ إن جنات الدنيا مهما عَظُم نعيمها، إما أنْ تفوتك، وإما أنْ تفوتها.
والعَدْن اسم للجَنّة، فهناك فَرْق بين المسكن والمسكن في الجنة، كما ترى حدائق عامة وحدائق خاصة، فالمؤمن في الجنة له مسكن خاص في جنة عدن.
ويقول تعالى عن أنهار الجنة :﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار.. ﴾ [ محمد : ١٢ ]
وفي آية أخرى يقول :﴿ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنهار.. ﴾ [ التوبة : ١٠٠ ] ليعطينا صورتين لجريان الماء، ففي قوله :﴿ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنهار.. ﴾ [ التوبة : ١٠٠ ] يدلُّ على أن الماء يأتيها من بعيد، وقد تخشى أن يمنعه أحد عنك أنْ يَسُدَّه دونك ؛ لذلك يقول لك : اطمئن فالماء يجري ﴿ مِن تَحْتِهَا ﴾ أي : من الجنة نفسها لا يمنعه أحد عنك.


الصفحة التالية
Icon