فالأساور إما من ذهب أو فضة أو لؤلؤ ؛ لذلك قال ﷺ عن هذه الحلية في الآخرة أنها تبلغ ما بلغه الوضوء عند المؤمن.
ونلحظ في قوله تعالى :﴿ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ.. ﴾ [ الكهف : ٣١ ] أن التحلية هنا للزينة، وليست من الضروريات، فجاء الفعل ﴿ يُحَلَّوْنَ ﴾ أي : حلاَّهم غيرهم ولم يقل يتحلون ؛ لذلك لما تكلم بعدها عن الملبس، وهو من الضروريات قال :﴿ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ﴾ [ الكهف : ٣١ ]
فأتى بالفعل مبنياً للمعلوم ؛ لأن الفعل حدث منهم أنفسهم بالعمل، أما الأولى فكانت بالفضل من الله، وقد قُدم الفضل على العمل، كما قال تعالى في آية أخرى :﴿ قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ.. ﴾ [ يونس : ٥٨ ]
أي : إياك أن تقول هذا بعملي، بل بفضل الله وبرحمته ؛ لذلك نرى الرسول ﷺ يقر بهذه الحقيقة، فيقول :" لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته " ذلك لأنك لو نظرتَ إلى عملك لوجدتَه بعد تكليفك الذي كلفت به في سِنِّ البلوغ، وقد عِشْت طوال هذه المدة ترتع في نِعَم الله ورزقه دون أنْ يُكلِّفك بشيء ؛ لذلك مهما قَدَّمْتَ لله تعالى من طاعات، فلن تفَِي بما أنعم به عليك.
وما تفعله من طاعات إنما هو وفاء لحق الله، فإذا أدخلناك الجنة كان فضلاً من الله عليك، لأنك أخذتَ حقك سابقاً ومُقدَّماً في الدنيا، لكنه قسم هنا فقال :﴿ يَلْبَسُونَ.. ﴾ [ الكهف : ٣١ ] أي : بما عملوا، أما في الزينة والتحلية فقال :﴿ يُحَلَّوْنَ ﴾ كالرجل الذي يُجهِّز ابنته للزواج، فيأتي لها بضروريات الحياة، ثم يزيدها على ذلك من الكماليات وزُخْرف الحياة من نجف أو سَجَّاد أو خلافه.