وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَسَائِرُ الْفُقَهَاءِ :" لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا مَوْصُولًا بِالْكَلَامِ " وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ وَالشَّرْطُ لَا يَصِحُّ وَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا مَوْصُولًا بِالْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، مِثْلُ قَوْلِهِ :" أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ " فَلَوْ قَالَ :" أَنْتِ طَالِقٌ " ثُمَّ قَالَ :" إنْ دَخَلْت الدَّارَ " بَعْدَ مَا سَكَتَ، لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ تَعَلُّقَ الطَّلَاقِ بِالدُّخُولِ، وَلَوْ جَازَ هَذَا لَجَازَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَقُولَ بَعْدَ سَنَةٍ : إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَيَبْطُلُ الطَّلَاقُ وَلَا تَحْتَاجُ إلَى زَوْجٍ ثَانٍ فِي إبَاحَتِهَا لِلْأَوَّلِ، وَفِي تَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهَا عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ دَلَالَةٌ عَلَى بُطْلَانِ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ السُّكُوتِ، وَلَمَّا صَحَّ ذَلِكَ فِي الْإِيقَاعِ فِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا مَوْصُولًا بِالْكَلَامِ كَانَ كَذَلِكَ حُكْمُ الْيَمِينِ.
وَأَيْضًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَأْنِ أَيُّوبَ حِينَ حَلِفَ عَلَى امْرَأَتِهِ أَنَّهُ إنْ بَرَأَ ضَرَبَهَا، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَأْخُذَ بِيَدِهِ ضِغْثًا وَيَضْرِبَ بِهِ وَلَا يَحْنَثُ، وَلَوْ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَرَاخِيًا عَنْ الْيَمِينِ لَأَمَرَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَيَسْتَغْنِي
بِهِ عَنْ ضَرْبِهَا بِالضِّغْثِ وَغَيْرِهِ.