فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ غَدَا إلَى مُصَلَّاهُ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَغَدَا أَبُو جَهْلٍ مَعَهُ حَجَرٌ، وَقُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهِمْ يَنْظُرُونَ مَا يَصْنَعُ، فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ إلَيْهِ أَبُو جَهْلٍ بِذَلِكَ الْحَجَرِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ رَجَعَ مُنْهَزِمًا مُنْتَفِعًا لَوْنُهُ، كَادَتْ رُوحُهُ تُفَارِقُهُ، فَقَامَ إلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِمَّنْ سَمِعَ مَا قَالَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، قَالُوا : يَا أَبَا الْحَكَمِ، مَالَك ؟ فَوَاَللَّهِ لَقَدْ كُنْت مُجِدًّا فِي أَمْرِك، ثُمَّ رَجَعْت بِأَسْوَإِ هَيْئَةٍ رَجَعَ بِهَا رَجُلٌ، وَمَا رَأَيْنَا دُونَ مُحَمَّدٍ شَيْئًا يَمْنَعُهُ مِنْك.
فَقَالَ : وَيْلَكُمْ، وَاَللَّهِ لَعَرَضَ دُونَهُ لِي فَحْلٌ مِنْ الْإِبِلِ، مَا رَأَيْت مِثْلَ هَامَتِهِ وَأَنْيَابِهِ وَقَصَرَتِهِ لِفَحْلٍ قَطُّ، يَخْطِرُ دُونَهُ، لَوْ دَنَوْت لَأَكَلَنِي.
فَلِمَا قَالَهَا أَبُو جَهْلٍ قَامَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَاَللَّهِ لَقَدْ نَزَلَ بِسَاحَتِكُمْ أَمْرٌ مَا أَرَاكُمْ اُبْتُلِيتُمْ بِهِ قَبْلَهُ، قُلْتُمْ لِمُحَمَّدٍ : شَاعِرٌ، وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِشَاعِرٍ.
وَقُلْتُمْ : كَاهِنٌ، وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِكَاهِنٍ.
وَقُلْتُمْ سَاحِرٌ، وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِسَاحِرٍ.
وَقُلْتُمْ : مَجْنُونٌ، وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ.
وَاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ مُحَمَّدٌ أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ : أَصْدَقَكُمْ حَدِيثًا، وَأَعْظَمَكُمْ أَمَانَةً، وَخَيْرَكُمْ جِوَارًا، حَتَّى بَلَغَ مِنْ السِّنِّ مَا بَلَغَ، فَأَبْصِرُوا بَصَرَكُمْ، وَانْتَبِهُوا لِأَمْرِكُمْ.