وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَقُلِ الحق مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
"الحقّ" رفع على خبر الابتداء المضمر ؛ أي قل هو الحق.
وقيل : هو رفع على الابتداء، وخبره في قوله "من ربكم".
ومعنى الآية : قل يا محمد لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا : أيها الناس! من ربكم الحق فإليه التوفيق والخذلان، وبيده الهدى والضلال، يهدي من يشاء فيؤمن، ويضل من يشاء فيكفر، ليس إليّ من ذلك شيء، فالله يؤتي الحق من يشاء وإن كان ضعيفاً، ويحرمه من يشاء وإن كان قويّاً غنيّاً، ولست بطارد المؤمنين لهواكم ؛ فإن شئتم فآمنوا، وإن شئتم فاكفروا.
وليس هذا بترخيص وتخيير بين الإيمان والكفر، وإنما هو وعيد وتهديد.
أي إن كفرتم فقد أعدّ لكم النار، وإن آمنتم فلكم الجنة.
قوله تعالى :﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا ﴾ أي أعددنا.
﴿ لِلظَّالِمِينَ ﴾ أي للكافرين الجاحدين.
﴿ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾ قال الجوهري : السُّرادق واحد السُّرادقات التي تمدّ فوق صحن الدار.
وكل بيت من كرسف فهو سرادق.
قال رؤبة :
يا حَكَمُ بنَ المنذر بن الجارُودْ...
سُرادِقُ المجد عليك مَمْدُودْ
يقال : بيت مُسردَق.
وقال سلامة بن جندل يذكر أبرويز وقتله النعمان بن المنذر تحت أرجل الفِيَلة :
هو المْدخِل النعمانَ بيتاً سماؤه...
صُدورُ الفيولِ بعد بَيتٍ مَسَرْدَقِ
وقال ابن الأعرابي :"سرادقها" سورها.
وعن ابن عباس : حائط من نار.
الكلبي : عنق تخرج من النار فتحيط بالكفار كالحظيرة.
القتبيّ : السرادق الحجزة التي تكون حول الفسطاط.
وقاله ابن عزيز.
وقيل : هو دخان يحيط بالكفار يوم القيامة، وهو الذي ذكره الله تعالى في سورة "والمرسلات" حيث يقول :﴿ انطلقوا إلى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ ﴾ [ المرسلات : ٣٠ ] وقوله :﴿ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ ﴾ [ الواقعة : ٤٣ ] قاله قتادة.
وقيل : إنه البحر المحيط بالدنيا.