فلما خرج، أنكر الطريق، فدنا إلى باب المدينة، فلم يعرفها.
فلما دخل المدينة لم يعرف أحداً من الناس، فأشكل عليه فقال : لعل هذه غير تلك المدينة.
فسأل إنساناً، فقال : أي مدينة هذه؟ فقال : أقسوس.
فقال : لقد أصابني شر وتغير عقلي ؛ فهذه مدينتنا، ولا أعرفها ولا أعرف أحداً من أهلها.
فأخرج الدراهم، وجاء إلى الخباز ودفعها إليه ؛ فأخذ الخباز الدراهم فأنكرها، وقال : من أين لك هذه الدراهم؟ لقد وجدت كنزاً لتخبرني، وإلا دفعتك إلى الملك.
وكان كل ملك يحدث بعد آخر، يضرب دراهم على سكته وختمه ؛ فمن وجد معه دراهم غير تلك الدراهم، علم أنه كنز.
فلما وجدوا معه تلك الدراهم، قالوا : هذا كنز.
فقال : هذه الدراهم ما أخرجت من المدينة إلا أمس.
فظن الخباز أنه يتجانن عليه ليرسله، فقال له : لقد علمت أنك تتجانن علي.
لا أرسلك حتى تعطيني من هذا الكنز، وإلا دفعتك إلى الملك.
اجتمع الناس عليه وذهبوا به إلى الملك، فجعل تمليخا يبكي خوفاً من الملك، وأن يرفع إلى ملكهم الجبار الذي فرّ منه فلما رأى أنّ الذي أدخل على غيره سكن فقال له الملك : من أين لك هذه الدراهم؟ فقال : خرجت بها عشية أمس أنا وأصحاب لي فراراً من دقيانوس الملك.
فقال : إنك رجل شاب، وذلك الملك قد مضى عليه دهر طويل.
فما أنا بالذي أرسلك، حتى تخبرني من أين لك هذه الدراهم؟ فقص عليه أمره وأمر أصحابه، فقال : أُنَاسٌ من المسلمين قد أخبروا بقصتهم، أن آباءنا أخبرونا أن فتية قد خرجوا بدينهم وهم مسلمون فراراً من دقيانوس الملك ؛ وإنا والله لا ندري ولعله صادق.
فاركب وانظر لعله شيء أراد الله أن يظهرك عليه، أو يكون في ولايتك، فركب الملك وركب معه الناس، المسلم والكافر، حتى انتهوا إلى الكهف.
فلما رأى أصحابه الناس قد انتهوا إليهم، عانق بعضهم بعضاً يبكون ولا يشكون، إلا أنه الملك الجبار الكافر، فقال لهم تمليخا : امكثوا حتى أدخل أولاً.