فبينا هم على ذلك إذ أدركهم الشرَط، وكانوا قد دخلوا في مصلّى لهم فوجدوهم سجوداً على وجوههم يبكون ويتضرّعون إلى الله عز وجّل ويسألونه أن ينجيهم من دقيانوس وفئته. فلما رآهم أُولئك الكفرة قالوا لهم : ما خلفكم عن أمر الملك؟ انطلقوا إليه. ثمّ خرجوا من عندهم فرفعوا أمرهم إلى دقيانوس، فقالوا : نجمع الجميع وهؤلاء الفتية من أهل بيتك يسخرون منك ويعصون أمرك؟ فلما سمع ذلك أُتي بهم تفيض أعينهم من الدّمع، معفّرة وجوههم في التراب، فقال لهم : ما منعكم أن تشهدوا لذبح الآلهة الّتي تعبد في الأرض، وأن تجعلوا أنفسكم كغيركم؟ اختاروا إمّا أن تذبحوا لآلهتنا كما ذبح النّاس وإما أن أقتلكم. فقال مكسلمينا وكان أكبرهم : إن لنا إلهاً ملأ السماوات والأرض عظمته، لن ندعو من دونه إلهاً أبداً، ولن نقرّ بهذا الذي تدعونا إليه أبداً، ولكنّا نعبد الله ربّنا، وله الحمد والتكبير والتّسبيح من أنفسنا خالصاً، إيّاه نعبد، وإيّاه نسأل النجاة والخير فأمّا الطواغيت وعبادتها، فلن نعبدها أبداً، فاصنع بنا ما بدا لك. ثمّ قال أصحاب مكسلمينا لدقيانوس مثل ما قال له، فلما قالوا ذلك أمرهم فنُزع عنهم لبوس كان عليهم من لبوس عظمائهم، ثمّ قال : أمّا إذا فعلتم فإنّي أُؤخركم، وسأفرغ لكم فأُنجز لكم ما وعدتكم من العقوبة، وما يمنعني أن اعجل ذلك لكم إلاّ أني أراكم شباباً، حديثة أسنانكم، ولا أُحب أن أُهلككم حتى أجعل لكم أجلاً تذكّرون فيه، وتراجعون عقولكم.