وقال محمد بن إسحاق : ثمّ ملك أهل تلك البلاد رجل صالح يقال له تيدوسيس، فلما ملك بقي في ملكه ثمانياً وثلاثين سنة فتحزب الناس في ملكه، وكانوا أحزاباً ؛ منهم من يؤمن بالله ويعلم أن الساعة حق، ومنهم من يكذّب بها، فكبر ذلك على الملك الصالح، وبكى إلى الله عز و جّل، وتضرّع إليه، وحزن حزناً شديداً. فلما رأى أهل الباطل يزيدون ويظهرون على أهل الحق ويقولون : لا حياة إلاّ الحياة الدنيا، وإنما تبعث الأرواح ولا تبعث الأجساد فأما الجسد فتأكله الأرض. ونسوا ما في الكتاب، فجعل تيدوسيس يرسل إلى من يظن فيه خيراً وأنه معه في الحق، فجعلوا يكذبون بالساعة حتى كادوا يحولون الناس عن الحقّ وملّة الحواريين.
فلما رأى ذلك الملك الصالح تيدوسيس دخل بيته وأغلقه عليه ولبس مسحاً وجعل تحته رماداً ثمّ جلس عليه فدأب ليله ونهاره زماناً يتضرع إلى الله ويبكي مما يرى فيه الناس، ويقول : أي رب، قد ترى اختلاف هؤلاء الناس، فابعث إليهم من يبين لهم.
ثمّ إن الرحمن الرحيم الذي يكره هلكة العباد أراد أن يظهر على الفتية أصحاب الكهف ويبين للناس شأنهم ويجعلهم آية له وحجة عليهم، وليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن يستجيب لعبده الصالح تيدوسيس ويتم نعمته عليه، ولا ينزع عنه ملكه ولا الإيمان الذي أعطاه، وأن يعبد الله ولا يشرك به شيئاً، وأن يجمع من كان ببلده من المؤمنين.
فألقى الله عز و جّل في نفس رجل من أهل ذلك البلد الذي به الكهف وكان اسم ذلك الرجل أولياس أن يهدم ذلك البنيان الذّي على فم الكهف، فيبني به حظيرة لغنمه، فأستاجر عاملين فجعلا ينزعان تلك الحجارة ويبنيان بها تلك الحظيرة حتى نزعا ما على فم الكهف، وفتحا عليهم باب الكهف، فحجبهم الله تعالى من الناس بالرعب. فيزعمون أن أشجع من يريد أن ينظر إليهم أن يدخل من باب الكهف لم يتقدم حتى يرى كلبهم دونهم إلى باب الكهف، نائماً.


الصفحة التالية
Icon