فقال لهم تمليخا : ما وجدت كنزاً، ولكن هذا الورق ورق آبائي ونقش هذه المدينة وضربها، ولكن والله ما أدري ما شأني، وما أدري ما أقول لكما. فقال أحدهما : فمن أنت؟ فقال له : أمّا ما أرى فكنت أرى أني من أهل القرية. قالوا له : فمن أبوك [ ومن ] يعرفك بها؟ فأنبأهم باسم أبيه فلم يجدوا أحداً يعرفه، ولا أباه، فقال له أحدهما : أنت رجل كذّاب لا تخبرنا بالحقّ. ولم يدرِ ما يقول لهم غير أنه نكس بصره إلى الأرض، فقال بعض من حوله : هذا رجل مجنون. وقال بعضهم : ليس بمجنون، ولكن يحمّق نفسه عمداً لينفلت منكم. فقال له أحدهما، ونظر إليه نظراً شديداً : أتظن أنا نرسلك ونصدقك بأن هذا مال، أبيك وضرب هذا الورق ونقشها أكثر من ثلاثمئة سنة، وأنت غلام شاب تظن أنك تأفكنا وتسخر بنا، ونحن شرط كما ترى، وحولك سراة أهل المدينة وولاة أمرها، وخزائن هذه البلدة بأيدينا، وليس عندنا من هذا الضرب درهم ولا دينار؟ إنني لأظنني سآمر بك فتعذّب عذاباً شديداً ثمّ أُوثقك حتى تعترف بهذا الكنز الذي وجدت.
فلّما قال له ذلك، قال تمليخا : أنبئوني عن شيء أسألكم عنه، فإن فعلتم صدّقتم ما عندي. قالوا له : سل، ما نكتمك شيئاً. فقال : ما فعل الملك دقيانوس؟ قالا له : ليس نعرف ملكاً يُسمى دقيانوس على وجه الأرض، ولم يكن إلاّ ملكاً قد هلك منذ زمان ودهر طويل، وهلكت بعده قرون كثيرة. قال لهم تمليخا : فوالله ما هو بمصدّقي أحد من الناس بما أقول، لقد كنا فتية، وإن الملك أكرهنا على عبادة الأوثان والذبح للطواغيت فهربنا منه عشية أمس فنمنا، فلما انتبهنا خرجت لأشتري لأصحابي طعاماً وأتجسّس الأخبار فإذا أنا كما ترون، فانطلقوا معي إلى الكهف الذي في جبل ينجلوس أُرِكم أصحابي. فلما سمع أرموس ما يقول تمليخا، قال : يا قوم لعلّ هذه آية من آيات الله عزّ وجلّ جعلها لكم على يدي هذا الفتى، فانطلقوا بنا معه يُرِنا أصحابه كما قال.