ولما هدد السامعين بما حاصله : ليختر كل امرىء لنفسه ما يجده غداً عند الله تعالى، اتبع هذا التهديد تفصيلاً لما أعد للفريقين من الوعد والوعيد لفاً ونشراً مشوشاً - بما يليق بهذا الأسلوب المشير إلى أنه لا كفوء له من نون العظمة فقال تعالى :﴿إنا اعتدنا﴾ أي هيأنا بما لنا من العظمة تهيئة قريبة جداً، وأحضرنا على وجه ضخم شديد تام التقدير ﴿للظالمين﴾ أي لمن لم يؤمن، ولكنه وصف إشارة إلى تعليق الحكم به ﴿ناراً﴾ جعلناها معدة لهم ﴿أحاط بهم﴾ كلهم ﴿سرادقها﴾ أي حائطها الذي يدار حولها كما يدار الحظير حول الخيمة من جميع الجوانب.
ولما كان المحرور شديد الطلب للماء قال تعالى :﴿وإن يستغيثوا﴾ من حر النار فيطلبوا الغيث - وهو ماء المطر - والغوث بإحضاره لهم ؛ وشاكل استغاثتهم تهكماً بهم فقال تعالى :﴿يغاثوا بماء﴾ ليس كالماء الذي قدمنا الإشارة إلى أنا نحيي به الأرض بعد صيرورتها صعيداً جرزاً، بل ﴿كالمهل﴾ وهو القطران الرقيق وما ذاب في صفر أو حديد والزيت أو درديّه - قاله في القاموس.
وشبهه به من أجل تناهي الحر مع كونه ثخيناً، وبين وجه الشبه بقوله تعالى :﴿يشوي الوجوه﴾ أي إذا قرب إلى الفم فكيف بالفم والجوف! ثم وصل بذلك ذمه فقال تعالى :﴿بئس الشراب﴾ أي هو، فإنه أسود منتن غليظ حار، وعطف عليه ذم النار المعدة لهم فقال تعالى :﴿وساءت مرتفقاً﴾ أي منزلاً يعد للارتفاق. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٤ صـ ٤٦٤ ـ ٤٦٥﴾


الصفحة التالية
Icon