وأنت تعلم أن الاعتراض فيه غير متعين أيضاً، وعلى الاحتمال السابق يحتمل أن تكون هذه الجملة مستأنفة لبيان الأجر ويجتمل أن تكون خبراً بعد خبر على مذهب من لا يشترط في تعدد الأخبار كونها في معنى خبر واحد وهو الحق أي أولئك المنعوتون بالنعوت الجليلة لهم جنات إقامة على أن العدن بمعنى الإقامة والاستقرار يقال عدن بالمكان إذا قام فيه واستقر ومنه المعدن لاستقرار الجواهر فيه.
وعن ابن مسعود عدن جنة من الجنان وهي بطنانها، ووجه إضافة الجنان إليها بانها لسعتها كأن كل ناحية منها جنة ﴿ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأنهار ﴾ وهم في الغرفات آمنون ﴿ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ ﴾ من الأولى للابتداء والثانية للبيان، والجار والمجرور في موضع صفة لأساور، وهذا ما اختاره الزمخشري وغيره.
وجوز أبو البقاء في الأولى أن تكون زائدة في المفعول على قول الأخفش، ويدل عليه قوله تعالى :﴿ وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ ﴾ [ الإنسان : ٢١ ] وأن تكون بيانية أي شيئاً أو حلياً من أساور.
وجوز غيره فيها أن تكون تبعيضية واقعة موقع المفعول كما جوز هو وغيره ذلك في الثانية، وجوز فيها أيضاً أن تتعلق بيحلون وهو كما ترى، والأساور جمع اسورة جمع سوار بالكسر والضم وهو ما في الذراع من الحلى وهو عربي، وقال الراغب : معرب دستواره، وقيل جمع أسوار جمع سوار وأصله أساوير فخفف بحذف يائه فهو على القولين جمع الجمع، ولم يجعلوه من أول الأمر جمع سوار لما رأوا أن فعالاً لا يجمع على أفاعل في القياس.
وعن عمرو بن العلاء أن الواحد اسوار، وأنشد ابن الأنباري :
والله لولا صبية صغار...
كأنما وجوههم أقمار
تضمهم من العتيك دار...
أخاف أن يصيبهم أقتار
أو لاطم ليس له اسوار...
لما رآني ملك جبار
ببابه ما وضح النهار...
وفي القاموس السوار ككتاب وغراب القلب كالأسوار والجمع أسورة وأساور وأساورة وسور وسؤور وهو موافق لما نقل عن ابن العلاء.