قال الزجاج : أي الذين أتيتكم به الحق مِن رَّبّكُمْ يعني : لم آتكم به من قبل نفسي إنما أتيتكم به من الله ﴿ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ﴾ قيل : هو من تمام القول الذي أمر رسوله أن يقوله، والفاء لترتيب ما قبلها على ما بعدها، ويجوز أن يكون من كلام الله سبحانه لا من القول الذي أمر به رسول الله ﷺ، وفيه تهديد شديد، ويكون المعنى : قل لهم يا محمد الحق من ربكم وبعد أن تقول لهم هذا القول، من شاء أن يؤمن بالله ويصدّقك فليؤمن، ومن شاء أن يكفر به ويكذبك فليكفر.
ثم أكد الوعيد وشدّده فقال :﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ ﴾ أي : أعددنا وهيأنا للظالمين الذين اختاروا الكفر بالله والجحد له والإنكار لأنبيائه ناراً عظيمة ﴿ أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾ أي : اشتمل عليهم.
والسرادق : واحد السرادقات.
قال الجوهري : وهي التي تمد فوق صحن الدار، وكل بيت من كرسف فهو سرادق، ومنه قول رؤبة :
يا حكم بن المنذر بن جارود... سرادق المجد عليك ممدود
وقال الشاعر :
هو المدخل النعمان بيتاً سماؤه... صدور الفيول بعد بيت مسردق
يقوله سلام بن جندل لما قتل ملك الفرس ملك العرب النعمان بن المنذر تحت أرجل الفيلة.
وقال ابن الأعرابي : سرادقها : سورها.
وقال القتيبي : السرادق : الحجرة التي تكون حول الفسطاط.
والمعنى : أنه أحاط بالكفار سرادق النار على تشبيه ما يحيط بهم من النار بالسرادق المحيط بمن فيه ﴿ وَإِن يَسْتَغِيثُواْ ﴾ من حرّ النار ﴿ يُغَاثُواْ بِمَاء كالمهل ﴾ وهو : الحديد المذاب.
قال الزجاج : إنهم يغاثون بماء كالرصاص المذاب أو الصفر، وقيل : هو درديّ الزيت.
وقال أبو عبيدة والأخفش : هو كل ما أذيب من جواهر الأرض من حديد ورصاص ونحاس.
وقيل : هو ضرب من القطران.


الصفحة التالية
Icon