وحاصل الكلام أن هذه اللفظة كناية عن بطلانها وهلاكها، ثم قال تعالى :﴿وَيَقُولُ ياليتنى لَمْ أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا﴾ والمعنى أن المؤمن لما قال :﴿لَكُنَّا هُوَ الله رَبّى وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا﴾ فهذا الكافر تذكر كلامه وقال :﴿ياليتنى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّى أَحَدًا﴾ فإن قيل هذا الكلام يوهم أنه إنما هلكت جنته بشؤم شركه وليس الأمر كذلك لأن أنواع البلاء أكثرها إنما يقع للمؤمنين قال تعالى :﴿وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً واحدة لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ [ الزخرف : ٣٣ ] وقال النبي ﷺ :" خص البلاء بالأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل " وأيضاً فلما قال :﴿ياليتنى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّى أَحَدًا﴾ فقد ندم على الشرك ورغب في التوحيد فوجب أن يصير مؤمناً فلم قال بعده :﴿وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً﴾ والجواب عن السؤال الأول : أنه لما عظمت حسرته لأجل أنه أنفق عمره في تحصيل الدنيا وكان معرضاً في كل عمره عن طلب الدين فلما ضاعت الدنيا بالكلية بقي الحرمان عن الدنيا والدين عليه.
فلهذا السبب عظمت حسرته والجواب عن السؤال الثاني : أنه إنما ندم على الشرك لاعتقاده أنه لو كان موحداً غير مشرك لبقيت عليه جنته فهو إنما رغب في التوحيد والرد عن الشرك لأجل طلب الدنيا فلهذا السبب ما صار توحيده مقبولاً عند الله ثم قال تعالى :﴿وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله﴾ وفيه بحثان :
البحث الأول : قرأ حمزة والكسائي :( ولم يكن له فئة ) بالياء لأن قوله :﴿فِئَةٌ﴾ جمع فإذا تقدم على الكناية جاز التذكير، ولأنه رعاية للمعنى.
والباقون بالتاء المنقوطة باثنتين من فوق لأن الكناية عائدة إلى اللفظة وهي الفئة.