قوله تعالى :﴿ كِلتا الجنتين آتت أُكُلَها ﴾ قال الفراء : لم يقل : آتتا، لأن "كلتا" ثنتان لا تُفرد واحدتُهما، وأصله :"كُلٌّ"، كما تقول للثلاثة :"كُلٌّ"، فكان القضاء أن يكون للثنتين ما كان للجمع، وجاز توحيده على مذهب "كُلّ"، وتأنيثه جائز للتأنيث الذي ظهر في "كلتا"، وكذلك فافعل ب "كلا" و"كلتا" و"كُلّ"، إِذا أضفتَهُنَّ إِلى مَعْرِفة وجاء الفعل بعدهن، فوحِّد واجمع، فمن التوحيد قوله تعالى :﴿ وكُلُّهم آتيه يوم القيامة فرداً ﴾ [ مريم : ٩٦ ]، ومن الجمع :﴿ وكُلٌّ أَتَوه داخرين ﴾ [ النمل : ٨٧ ]، والعرب قد تفعل ذلك أيضاً في "أي" فيؤنّثون ويذكِّرون، قال الله تعالى :﴿ وما تدري نفس بأي أرض تموت ﴾ [ لقمان : ٣٤ ]، ويجوز في الكلام "بأيت أرض"، وكذلك ﴿ في أيِّ صورة ما شاء ركبَّك ﴾ [ الانفطار : ٨ ]، ويجوز في الكلام "في أيَّت"، قال الشاعر :
بأي بلاءٍ أم بأيَّة نعمةٍ...
تقدَّم قبلي مسلمٌ والمهلَّب
قال ابن الأنباري :"كلتا" وإِن كان واقعاً في المعنى على اثنتين، فإن لفظه لفظ واحدة مؤنثة، فغلب اللفظ، ولم يستعمل المعنى ثقةً بمعرفة المخاطَب به ؛ ومن العرب من يؤثر المعنى على اللفظ، فيقول :"كلتا الجنتين آتت أُكُلَها"، ويقول آخرون :"كلتا الجنتين آتى أُكُلَه"، لأن "كلتا" تفيد معنى "كُلّ"، قال الشاعر :
وكلتاهما قد خطَّ لي في صَحيفتي...
فلا الموت أهواه ولا العيش أروح
يعني : وكلُّهما قد خط لي، وقد قالت العرب : كلكم ذاهب، وكلكم ذاهبون.
فوحَّدوا لِلَفظ "كُلّ" وجمعوا لتأويلها.
وقال الزجاج : لم يقل "آتتا"، لأن لفظ "كلتا" لفظ واحدة، والمعنى : كل واحدة منهما آتت أكلها ﴿ ولم تظلم ﴾ أي : لم تنقص ﴿ منه شيئاً وفجرنا خلالهما نَهَراً ﴾ فأعلمَنَا أن شربهما كان من ماء نهر، وهو من أغزر الشرب.


الصفحة التالية
Icon