والفاء سببية عطفت ما بعدها على قوله تعالى :﴿ كَانَ مِنَ الجن ﴾ وأفادت تسبب فسقه عن كونه من الجن إذ شأنهم التمرد لكدورة مادتهم وخباثة ذاتهم والذي حبث لا يخرج إلا نكدا وإن كان منهم من أطاع وآمن، وجوز أن يكون العطف على ما يفهم من الاستثناء كأنه قيل : فسجدوا إلا إبليس أبى عن السجود ففسق، وتفيد حينئذ تسبب فسقه عن آبائه وتركه السجود.
وقيل : إنها هنا غير عاطفة إذ لا يصح تعليل ترك السجود وآبائه عنه بفسقه عن أمر ربه تعالى.
قال الرضى : والفاء التي لغير العطف وهي التي تسمى فاء السببية لا تخلو أيضاً من معنى الترتيب وتختص بالجمل وتدخل على ما هو جزاء مع تقدم كلمة الشرط وبدونها انتهى.
وليس بشيء لأنه يكفي لصحة ترتب الثاني تسببه كما في ﴿ فوكزه موسى فقضى عليه ﴾ [ القصص : ١٥ ] كما صرح به في التسهيل وهنا كذلك.
والتعرض لعنوان الربوبية المنافية للفسق لبيان قبح ما فعله.
والمراد من الأمر بذكر وقت القصة ذكر القصة نفسها لما فيها من تشديد النكير على المتكبرين المفتخرين بانسابهم وأموالهم المستنكفين عن الانتظام في سلك فقراء المؤمنين ببيان أن ذلك من صنيع إبليس وأنهم في ذلك تابعون لتسويله كما ينبىء عنه ما يأتي إن شاء الله تعالى، ومنه يعلم وجه الربط، وجوز أن يكون وجه أنه تعالى لما بين حال المغرور بالدنيا والمعرض عنها وكان سبب الاغترار بها حب الشهوات وتسويل الشيطان زهده سبحانه أولاً بزخارف الدنيا بأنها عرضة الزوال وشيكة الانتقال والباقيات الصالحات خير ثواباً وأحسن أملا من أنفسها وأعلاها ثم نفرهم عن الشيطان بتذكير ما بينهم من العداوة القديمة، واختار أبو حيان في وجهه أنه سبحانه لما ذكر يوم القيامة والحشر وذكر خوف المجرمين مما سطر في كتبهم وكان إبليس اللعين هو الذي حملهم على المعاصي واتخاذ الشركاء ناسب ذكر إبليس والتنفير عنه تبعيداً عن المعاصي وعن امتثال ما يوسوس به ويدعو إليه.


الصفحة التالية
Icon