يهوين في نجد وغوراً غائرا... فواسقا عن قصدها جوائرا
وهذا المعنى ظاهر لا إشكال فيه. فلا حاجة لقول من قال : إن " عن " سببية، كقوله :﴿ وَمَا نَحْنُ بتاركي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ ﴾ [ هود : ٥٣ ] أي بسببه وأن المعنى : ففسق عن أمر ربه، أي بسبب أمره حيث لم يمتثله، ولا غير ذلك من الأقوال.
وقوله في هذه الآية الكريمة :﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ﴾ الهمزة فيه للإنكار والتوبيخ، ولا شك أن فيها معنى الاستبعاد كما تقدم نظيره مراراًز اي أبعد ما ظه منه من الفسق والعصيان، وشدة العداوة لكم ولأبويكم آدم وحواء - تتخذونه وذريته أولياء من دون خالقكم جل وعلا! بئس للظالمين بدلاً من الله إبليس وذريته! وقال ﴿ للظاليمن ﴾ لأنهم اعتاضوا الباطل من الحقن وجعلوا مكان ولايتهم لله ولا يتهم لإبليس وذريته. وها من أشنع الظلم الذي هو في اللغة : وضع الشيء في غير موضعه.
كما تقدم مراراً. والمخصوص بالذم في الآية محذوف دل عليه المقامن وتقديره : بئس البدل من الله إبليس وذريته. وفاعل طبئس " ضمير محذوف يفسره التمييز الذي هو " بدلاً " على حد قوله له في الخلاصة :
ويعرفان مضمراً يفسره... مميز كنعم قوماً معشره
والبدل : العوض من الشيء، وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من عداوة الشيطان لبني آدم جاء مبيناً في آيات أخر. كقوله :﴿ إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّاً ﴾ [ فاطر : ٦ ]. وكذلك الأبوان، كما قال تعالى :﴿ فَقُلْنَا ياآدم إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى ﴾ [ طه : ١١٧ ].