لذلك سمَّاهم : المدبّرات أمراً، وقال تعالى عنهم :﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله ﴾ [ الرعد : ١١ ] فكأن مهمة هؤلاء الملائكة أن يكونوا مع البشر وفي خدمتهم.
فإذا كان الحق سبحانه قد جنَّد هؤلاء الملائكة وهم أشرفُ المخلوقات لخدمة الإنسان، وأمرهم بالسجود له إعلاناً للخضوع للإنسان، فمن باب أَوْلى أن يخضع له الكون كله بسمائه وأرضه، وأن يجعلَه في خدمته، إنما ذكر أشرف المخلوقات لينسحب الحكم على مَنْ دونهم.
وقلنا : إن العلماء اختلفوا كثيراً على ماهية إبليس : أهو من الجن أم من الملائكة، وقد قطعت هذه الآية هذا الخلاف وحَسَمَتْه، فقال تعالى :﴿ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن.. ﴾ [ الكهف : ٥٠ ] وطالما جاء القرآن بالنص الصريح الذي يُوضّح جنسيته، فليس لأحد أن يقول : إنه من الملائكة.
وما دام كان من الجن، وهم جنس مختار في أنْ يفعل أو لا يفعل، فقد اختار ألاَّ يفعل :﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ.. ﴾ [ الكهف : ٥٠ ] أي : رجع إلى أصله، وخرج عن الأمر.
وقوله تعالى :﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ.
. ﴾ [ الكهف : ٥٠ ] فهذا أمر عجيب، فكيف بعد ما حدث منه تجعلونه ولياً من دون الله الذي خلقكم ورزقكم، فكان أَوْلَى بهذه الولاية.
و﴿ وَذُرِّيَّتَهُ.. ﴾ [ الكهف : ٥٠ ] تدل على تناسل إبليس، وأن له أولاداً، وأنهم يتزاوجون، ويمكن أن نقول : ذريته : كل مَنْ كان على طريقته في الضلال والإغواء، ولو كان من الإنس، كما قال تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإنس والجن يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القول غُرُوراً.. ﴾ [ الأنعام : ١١٢ ]